كايرو جيت لايت

“لا للضرب” قصة قصيرة للكاتبة رشا إبراهيم

لم تكن تجربتها بلينه بل كانت صعبة ولكنها اعتادت عليها ألا وهي دخولها مصحة نفسية، ومن المتعارف عليه أمر كهذا يصبح مريب وغريب لأي شخص، ولكنه بالنسبة لها ليس بغريب.

بل أصبح الطبيعي، نعم الطبيعي حينما تضيق بها كل السبل وتنغلق أبواب الدنيا في وجهها، لا تري سوى الذهاب، أو بمعني أصح الهروب إلى تلك المصحة التي دلتها عليها الأيام لتحل بها جميع مشاكلها وعقدها النفسيو.

أتحدث عن تلك المصحة النفسية التي تدور كخلية نحل، يعمل بها كل عامل بدوره المتعارف عليه بلا ملل أو ركود، يجتهد فيها كل شخص لينفذ ما يقال له من طبيبه المشرف عليه، الذي تلجأ إليه بقصصها المعهودة ما بين الاكتئاب والقلق ونوبات الهلع والوساوس وكل ما يدور بداخل عقلها المريض.

عقلها الذي مرض وتألم نتاج أحداث لا حصر لها تسببت في كآبتها وقلقها، حينما عادت إلى الماضي البعيد، حينما كانت صغيرة تلعب وتلهو في منزل خالها هي وأبنائها.

فإذا ببنت خالها تقنعها بالخروج إلى الشارع كي تشاهد فرح إحدى الجيران في الحي الذي يقطن فيه خالها، رفضت في بادئ الأمر، ولكن الفكرة أعجبتها.

وبالفعل، خرجوا إلى الشارع كي يشاهدوا الطبل والرقص والمعازيم، وفي وسط هذه الفرحة والهتافات لم تستطع أن تميز ماذا حدث لها، إلا وهي في يد والدها الذي تعصب لخروجها بمفردها هي وقريبتها، والذي قام بكل قوة وعزم ووضع يده على خدها الصغير لكي لا تشعر بما يدور حولها من أحداث وأشخاص.

هذا الكف الكبير على هذا الوجه الصغير على الرغم من شدته، لكنه كان رمزه وحنانه الذي مازال في عقلها وقلبها إلى اليوم، أنه أبيها الذي ساعد في تربيتها على الخوف من العقاب، الخوف من الأب إلى الزوج يأتي ليحل محله في شخصيته وحنانه مع قسوته احيانا التي كانت تصل للضرب والإهانة، ومن قبله خطيبها الأول الذي صفعها في الشارع، ومن بعده الخطيب الآخر الذي خانها وغدر بها.

لتجد نفسها تعلن الحرب على كل هؤلاء وتصرخ بأعلى قوتها في وجه الدنيا، لا للضرب، لا للعقاب، هي حره، رغم أنها تعيش بمفردها بلا أهل وأبناء، لكن لا أحد سيعاقبها كما حدث في الماضي، فلا ضرب، ولا إهانة.

في المصحة النفسية، لا أحد يضايقها ويسبب لها المتاعب، سوى الحقن المسكنة والمخدرة، كي تخدر جسدها الضئيل، وحينما تستيقظ تجد نفسها أسيرة لهذا المعتقل الذي سجنت جسدها وروحها فيه، كي ترهبها بما هو أقوى من الصفع، ولكن بإرادتها لا بإرادتهم.

هكذا عاشت سنوات من العذاب والغربة اللعينة في المصحة النفسية التي بها كل أنواع العذاب النفسي إلا الضرب والإهانة.

لا للضرب
بقلم| رشا إبراهيم

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *