قراءة في الفيلم الروائي القصير “حبيت نقلك”.. شاهد الفيلم
فيلم حبيت نقلك يعمل إسماعيل في كاتدرائية تونس، يستمع بالمصادفة إلى فتاة غيرت دينها دون أن تجد الجرأة لتعلم حبيبها، لم يكن إسماعيل يعلم كيف تنعكس إعترافات الفتاة على حياته الخاصة.
“لا يدرك أسرار قلوبنا إلا من أمتلأت قلوبهم بالأسرار”، استهل المخرج “حاتم شبلي” بمقولة الشاعر والكاتب والرسام العظيم جبران خليل جبران، الذي برغم ما عانه من ألم الفقر والهجرة وصل إلى ما أبعد من طموحه فأصبح من أشهر شعراء المهجر.
أراد المخرج أن يُسلط الضوء على من يشعر بالآخر، ويحس بألم التكتم والتحمل إلا إذا عانى هو الآخر من تكتل وتكاثر الأسرار داخله.
نعم!! كم آسرت أسرارك داخلك، وسجنتها في سرائرك، وسراديب قلبك وفكرك دون أن تفك قيدها، وعدم البوح بها، وتحملت تأجج خطاياك دون السرح لها من سياج قلبك وعقلك.
فعن طريق الفتاة المعترفة بالخطية “قمر بن سلطان”، أن تبوح بسرها وأن تقدم خطاياها على الكاهن المفوض من قبل الكنيسة، لسماع إعترافاتها.
ولظروف قدرية قامت بإعترافها أمام إسماعيل “خالد حماد”، اعتقادًا منها إنه الكاهن دون أن تراه ربما على طريقة الكاثوليكية.
إقرأ المزيد| زبيدة فيلم قصير يرصد سلبية المرأة
أرادت أن تقدم إعتراف للأب الكاهن كي يكون لها شفيعًا أمام يسوع ويتقبلها في ملكوته وضمن ابنائه، فـ الإقرار بالخطيئة واجب للأب الكاهن، وأن أختلفوا بعض طوائف المسيحيه، لكن “أعترف لك بخطيتي ولا أكتم إثمي، قلت أعترف للرب بذنبي وأنت رفعت آثام خطيتي”.
الفيلم يُرسل رسائل ويحدثنا عن الأقليات المسيحية بتونس، ودول شمال أفريقيا التي تشبعت بحضار الأمازيغ _العظيمة والمتفتحة والمغايرة.
قد يهمك| فضل سورة الكهف وأفضل وقت لقراءتها
أراد المخرج تسليط الضوء على الحياة الخاصة لأحد الفتيات بإعترافها عن تغيير ديانتها من أجل حبها، وتعيش لحظات الحب دون قيد أو خضوع لظروف ومعوقات دون أن تخبر أحد بتغير ديانتها وهويتها، وكيف ربط حياتها الخاصة التي ربما تتشابه مع حياة الآخرين بظروف مغايرة ولكن بالخفاء.
كما أراد تسليط الضوء على أن نواجه حقائق وشواهد وظواهر وحوادث متكررة في حياتنا وأن هناك مواطنين تعيش بيننا، ولو كانوا أقليات على حد قول المجتمعات والحكومات، فلهم حقوق ويعانون مشكلات داخلية وطائفية لابد مد يد العون لهم، والنظر بشؤونهم لأن الكبت يولد الأنفجار ونتيجة عدم الأحتواء من قبل الأسرة والكنيسة والمجتمع، يلجأ الفرد للثورة وقد يلجأ لتغير ديانته أو الخروج عن المألوف.
وجاء دور الفن هنا في تسليط الضوء على هذا المضمار أو المسار وعلى مسؤولوهُم النظر ومحاولة إصلاح العطب الذي أصاب البعض نتيجة الكبت، أو عدم الإنصات والإهتمام بالأقليات، وهم عضو فعال بالمجتمع يشكلوا ويأثروا على المجتمع ككل فالرسول (ص) قال :-“كلكم راعٍ وكلكم مسئولٌ عن رعيّته”.
كما سلط الضوء على الترابط والمزج بين الأديان والنسيج الواحد، برغم إختلاف العقيدة تتشابة الظروف والسلوك والمصائر احيانًا، وكيف يتقابل كل منا مع الآخر؟!
وكيف الصدفة جعلت إسماعيل الشخص الذي لعب القدر معه لعبة التنوير، وتأتيه الفتاة لكي تعترف بخطئيتها التي تنور مدركه، وكيف يصبح نبراس الأمل للفتاة بتقمص دور الأب الكاهن، واعطائها صك الغفران كي تعيش على أمل يتقبلها المسيح في ملكوته والإيمان بأنه مخلصها.
النواحي الفنية لفيلم حبيت نقلك
حبيت نقلك من إنتاج جامعة قرطاج “المدرسة العليا للسمعي البصري والسينما بقمرات” تونس، من إخراج المخرج الشاب حاتم شبلي، وهو مخرج تونسي من أبناء “سوسة” بلد بتونس الخضراء، دولة الثورة والتحرر، والسباقة بالتصدي للفساد والظلم.
المخرج حاتم شبلي، خريج جامعة قرطاج، حاصل على بكالوريوس الفنون عام 2014م، وماجستير في السمعيات والبصريات السينمائية عام 2017م، عمل كمساعد مخرج في عدد من الأفلام القصيرة والمسلسلات؛ بالأضافة لإخراجه عدد من الإعلانات “حبيت نقلك” هو الفيلم القصير الأول له.
أعد “شبلي”، بعض الأفلام القصيرة المميزة باللغة العربية والفرنسية، ولكن شارك بفيلم “احببت نقلك” بمهرجانات كثيرة وحضر مهرجان الإسماعيلية الدولي بمحافظة الإسماعيلية بجمهورية مصر العربية، كما شارك الفيلم مهرجان نيبال السنمائي.
حاتم شبلي، مخرج صاعد، يبحث عن كل جديد ومميز، ويتطرق لموضوعات مغايرة وغير مألوفة، ويبحث عن التميز بتقديم ما هو مختلف في نطاق الصورة والمضمون والرسالة.
وعلى مستوى الإخراج أجاد في عمله ومثل ما يقال “ما قل ودل”، صور مميزة، وإبهار في تكوين كادرات أنيقة، ونقلات سريعة للكاميرات موضحةً زوايا مؤثرة في صلب موضوعه.
وجاءت الموسيقى التصويرة، مؤثرةً وفي صميم الموضوع تشعر وكأنك في داخل طيات المشهد، واختيار الموسيقى أعطت للعمل قُدسيته ورونق للمتلقى، وكانت بمثابة مكون أساسي في كل مشهد.
تخللت موسيقى “Lerrer I eastern love sinan”، وموسيقى النهاية “يا مريم”، وكأنهم معزوفات عزفوا على قلب المتلقى واستحوزت اهتمامه بكل مشهد والشعور به.
أما عن أداء الممثلين فكانوا أكثر من رائع، شباب توانسة صاعدين يستحقوا متابعتهم على مستوى العالم العربي كله، ليس بتونس فقط، فظهر “خالد حماد”..إسماعيل، بطل العمل وصاحب الظهور الطاغي بكلمات قليلة ببادئ الأمر لكن كانت حركات جسده، وايماءاته صريحة ومعبره، وتألق برخامة صوته وثباته وركوز صوته بتقمص صوت كاهن الأعتراف، وتغير انفعالاته من دهشة للحنان للتعجب لتقبل.
قمر بن سلطان، الفتاة المعترفة بخطاياها، ممثلة مسرحية ،وسينمائية، التي لا تكل ولا تمل من الإبهار والابداع وتقديم المواهب.
كانت مبهرة للغاية على مستوى الفكاهة ولديها مقدرة عالية على التقمص، وأدت دور الفتاة النادمة المعترفة بخطيئتها بعد مرورها بمراحل الندم، والتعب النفسي، وتعب تحمل المجتمع والأوامر الدينية وتقبل الأخر لها.
أجادت التجسيد بعينيها وبصوتها وأدائها، في الحقيقة معرفتي بها كانت يوتيوبر على النت تقدم بما يسمي، Mime through time المعروف عالميًا ومن أوائل ما قدمته بتونس.
فاتن الشاذلي، بنت إسماعيل الفتاة الذي تتحمل اسقاط المضمون، وانعكاس حياة الأخر، الفتاة التي تعيش التناقض المجتمعي المتدين بطبعه وتعيش حياة الهلس بالخفاء والخلل والتناقض بأبهى صوره وبشكل مريح وبلا مبالاة، كان حضورها مميز ووجهها المألوف.
وباقي الممثلين وجودهم كان مكمل للعمل، والمصوريين ومسؤولو الاضاءة، وانتقال من الخافت للنور والعكس، كلها لمسات إخراجية لطيفة، ميزت العمل.
ما أخذه عن فيلم حبيت نقلك:
- قصره الشديد ربما أردت أن يُطيل بعض الدقائق لتبين نتيجة الفعل وأثره على المتلقى.
- مشهد البداية، المدافن و تصوير الفتاة من الاقدام مشهد كلاشيه بجميع أفلام الهوليودية الإمريكية.
- برغم ما يقدمه الفيلم من ذوبان الأديان والترابط والتشابه ومحاول إقرار النسيج الواحد انتبني تساؤل داخلي لماذا تقوم الكاتدرائية بتوظيف شخص مسلم بكتدرائية بتونس؟ وإذا افترضنا سلامة النية يقوم المسلم بالتنظيف
ربما بتنظيف معتقدات الغير من غبار التي انتابه العقيدة، ربما بنظرة فلسفية أو نظرتي الخاصة جاء الإسلام لتصليح أو تنظيف ماهو عطب أو غير منقح للديانات الأخرى.
بقلم| إيمان حسين