علا أبو النور تكتب: أوجاع الغربة
مازال السفر إلى خارج الحدود حلمًا يتمناه الكثيرون على أمل أن تفتح لنا الغربة الباب علي مصرعيه، لنقطف من فيضها ما نريد سافرنا إلى بلاد ليس لنا فيها شفيع ولا صديق حميم.
في أول المطاف أبهرتنا بكل ما فيها من حضارة ووسائل تقدم واخذنا نذوب فيها وتذوب فينا. ولكن سرعان ما ظهرت أمامنا كثير من التحديات الصعبة، وبدءا حلم العودة إلى أرض الوطن يلوح في الأفق وكأن الوطن أصبح حلم صعب المنال.
والسؤال هنا، هل أصبحنا نملك قرار العودة إلي أرض الوطن؟ وتمضي السنين سنة تلو الأخرى ونحن في صراع داخلي بين الحنين إلى وطن عشقناه وبين مظاهر الحضارة التي تعودنا عليها وأصبحت لنا الغربه سكن ومأوى.
ولكن عندما أخذنا قرار السفر كان ما يشغلنا فقط جمع المادة لتحسين مستوي المعيشة، ولكن مع مرور الأيام أخذ التفكير في المستقبل يتجه إلى آفاق أخري إلا وهي تربية وتعليم الأولاد وكيف أضمن لهم تعليم متميز يستطيعون من خلاله مواكبة متطلبات العصر.
أم أفكر مليا في الرجوع إلي أرض الوطن لكسب الثقافة العربية والعادات والتقاليد المصرية ويتعلموا علم آباءنا وأجدادنا.
واقع مؤلم يعيش فيه كل من كون أسرة خارج حدود الوطن، وأنا كمواطنة مصرية تعيش في دولة أوروبية، أصبحت أتساءل هل التعليم المصرى بكل فروعه هو المقصد والضمان لاولادي لينالوا حظا وافر من التعليم، أم أذهب بهم إلى التعليم الإيطالي حتي يتسني لهم الإنخراط والمشاركة الفعالة داخل الحياة الإيطالية.
انتبهت أكثر إلى هذه المشكلة عندما صاحت طالبة جامعية في وجه ابيها وأنا أجلس في إحدى النوادي التي يلجأ إليها المصريين ليقضوا بعض الأوقات ليتعارفون فيما بينهم.
صاحت هذه الطالبة قائلة: لماذا لم تعلمني اللغة العربية يا أبى؟ على الفور اتجهت إليها وعندي فضول يكاد يقتلني لمعرفة ما هو السبب الذي جعلها تصيح هكذا.
اتجهت إلى الطالبة وطلبت منها أن تشاركني كوبا من القهوة وأخذنا نتبادل أطراف الحديث وسألتها ما أهمية تعلم العربية لطالبة مثلك تعيش هنا وتتعلم في جامعات إيطالية، أعنى أنك رسمتى حياتك ومستقبلك هنا ولا يوجد لديك أية مشكلة لتعلم اللغة العربية؟
اجابتني بسرعة وكأنها تريد أن تجد من يسمعها، وقالت لي هل التعليم داخل جدران الحرم الجامعي هو كل ما أحتاج إليه للعيش داخل هذا العالم بكل ما فيه من أحداث وتغيرات أين هي هويتي أين هو رأى فيما يجري في بلادي.
كيف أستطيع الرد والمشاركة وإبداء الرأي في كل الأحداث من حولي كيف أكون إنسانا مصريا، أقصد عربيًا؟
انتفضت لكلام هذه المسكينه وإحساسها إنها نصف إنسان ومن جهة اخرى، وجدت أسر منغلقة فكريًا يخافون على أبناءهم من هذا المجتمع الغربى فأصبحوا لا يهتمون بتعليم أبناءهم الإيطالية وأصبح ما يشغل تفكيرهم هو تعليم أبناءهم المناهج المصرية فقط.
سرعان ما مرت الأيام وكبر الصغار وحدثت الفجوة التي كنا نخشاها خرج هؤلاء الشباب إلى العالم الخارجي من خلال الذهاب إلى الأندية وملاعب الكرة وحضور الاحتفالات.
فكيف يتثنى لهم المشاركة الفعليه والانخراط مع ذويهم من المجتمع الإيطالى وأصبحوا أيضا نصف إنسان، انتفضت وكأني كنت في سبات عميق.
لا لن نعيش في هذه البلاد نصف إنسان يجب أن نربي أبناءنا علي أنهم إنسان كامل يستطيع الجمع بين الثقافتين.
انتبهت إلى أهمية ازدواجية الثقافة لهؤلاء الصغار الذين يعيشون مع أسرهم خارج حدود الوطن يجب أن يحرص كل منا علي أن ينال أولاده نوعان من التعليم المصري بكل فروعه.
لما له من أهمية كبيرة لبناء إنسان مصري قوي محافظًا علي عادات أجداده وملمًا بثقافة بلده وتاريخها، والتعليم الايطالي بكل فروعه.
حتي يكونوا أبناء فاعلين لهذا البلد يشعرون بروح الانتماء ولديهم كل حقوق المواطنة وهذة الفكرة تبادرت إلى ذهني عندما وجدت من يحصل على الجنسية الإيطالية يظل لديه الجنسية المصرية أى لديه جنسية مزدوجة.
فهو إنسان مصري إيطالي فحتما يجب أن تكون دراسته مصرية إيطالية حتي يحافظ على هاتين الهويتان ولايعيش نصف إنسان.
بقلم| علا أبو النور