خواطر مغتربة تكتبها مروة حلمي: مصر وابنتي
أجلس في شرفتي المقابلة للخليج، وأنظر إلى مياه البحر هناك مد بصري، على الناحية الأخرى منه بعيداً لمسافة ثلاث ساعات ونصف من السفر بالطائرة تقع بلدٌ يتعلق بها القلب وتهفو إليها الروح مهما زارها الجسد ومهما رأتها العين، إنها مصر أم الدنيا.
أتعجب وأتساءل ماذا وضع الله في هذا البلد وفي قلوب أبنائه حتى يكون التعلق بها كتعلق الطفل الصغير بأمه.
فمهما لاقى من حنان وإحتواء، فإنه يأبى إلا أمه وحضنها، فلا سَكَن ولا سلام إلا بجوارها. قضيت أكثر من ثلث عمري مغتربة بعيدة عن الأهل والأصحاب والجيران، اللمة والونس.
إستمع إلى| مصر هي أمي
اثناء إجازتي لبلدي أشعر وكأنني طائر أُطلق سراحه لينطلق مُحلقاً في السماء الواسعة هنا وهناك. حيثُ ينتمي، وكأن الروح رُدت فيه.
رأيت الكثير من أبناء بلدي يعيشون سنوات ليست بالقليلة من عمرهم في الغربة في حال قد يُحسد عليه من كثيرين. وفي بلاد انبهر بها الناس وكأنها الجنة على الأرض.
لكنهم لا يتوقفوا عن الحديث لحنينهم إلى مصر وحلم العودة إليها والعيش بها مرة أُخرى. ويكأنه كُتب علينا ألا نعرف للراحة طعماً إلا ونحن فى رحاب محرابها.
أذكر يوماً كنت في إجازتي الصيفية مع ابنتي والتي بدأت تفتح عيناها على الحياة رويداً رويداً في بلد غير بلدها الأم.
أخذتها ونزلت بها في إحدى شوارع أحياء القاهرة في نزهة، وأثناء تجولنا وقفت بها عند إحدى محال بيع العصائر الطازجة.
وطلبت مني أن نقف ونتناول مشروبنا أمام المحل، وافقتها ووقفنا فترة ليس قصيرة وأنا أشاهد ابنتي وهي تتطلع للمارة وتشاهد السيارات وحركة الناس ومنادي السيارات (السايس) وعربات الكارو التي تقطع الطريق.
وبائع يُنادي على بضاعته بكلمات متناسقة. وكأنها أغنية قصيرة يُروج بها لما يريد بيعه لعل أحد يعجل برجوعه لبيته مبكراً.
أنظر إليها وأراقبها فأرى الإنبهار والتعجب والإبتسامة التي تحمل الكثير من المعاني. التي لا يفهمها ويشعر بها جيداً إلا من ذاق طعم البُعد عن هذا البلد العجيب أمره.
سألت ابنتي ما رأيكِ فيما ترين ومالي أراكِ منبهرة وكأنكِ تشاهدين عرضاً أخاذاً للأعين والأنفس. لأفاجئ بها تخبرني (عارفة يا ماما، الحياة هناك مش حقيقية “مصطنعة” وملونة من بره وتشدك وتخطفك زي صورة جميلة رسمها إنسان لكن مفيهاش روح، مصر هي الحياة اللي بجد يا ماما).
نظرت إليها وكلي عجب، ماذا وضع الله في مصر حتى تُلقي بسحرها على كل من يراها ويعيش فيها ولو ذاق ألف طعم لا يستسيغ إلا طعم بلادي.
ما جاء مصر أم الدنيا ضيف، ولا زارها زائر، إلا وتعلق بها بكل وجدانه وأخذه الحنين إليها ليعود من جديد.
السر في مصر هو مصر نفسها، فقد وضع الله لها القبول في الأرض وفي قلوب الخلق منذ بدأت الدنيا.
بقلم| مروة حلمي