بوابة القاهرة ترصد مأساة 2000 أسرة يعيشون تحت الكباري في ضفاف النيل
سكنو النيل لأنهم لم يجدوا بيوتًا تاويهم من صعوبة الحياة، لم يجدوا مكانًا يحميهم من برودة الجو في الشتاء وشدة حرارة الشمس في الصيف.
لم يجدوا أحن عليهم من قسوة الحياة إلا مركبا لا تتعدى مساحته الأربعة مترات ليسكنها هو وزوجته وابناؤه فمنهم من لا يتعدى سنه الرابعه، ومنهم من دبر لنفسه مركبا بجانب أمه وأبيه ليتزوج به.
حياتهم متنقلة في بيوت عائمه فوق نهر النيل، مئات الأسر تعيش في مراكب خشبية تمثل لهم حجرة نوم ومعيشة ومطبخًا على ضفاف النيل، وتتمركز في مجموعات تحت الكباري الضخمة بعيدًا عن أعين الناس، بمناطق الوراق، وجزيرة الدهب.
وأمام كورنيش المعادي وحول الجزر المنتشرة بنهر النيل في القاهرة وبالقرب منها، ورغم إن السكن بالقرب من النيل لا يقدر عليه سوى أصحاب الملايين لكن هؤلاء سكنوا النيل لآنهم لم يجدوا مكانًا بديلًا.
ليست تلك دعابة أو فكاهة لكنها واقع أكثر من 2000 أسرة تعيش في مراكب الصيد “الفلوكة”، المنتشرة على ضفاف نيل القاهرة.
فعلى الرغم من انتشار بواخر النيل العائمة بمطاعمها السياحية الفاخرة على ضفاف النيل عند حي المعادي الراقي يقابله على الضفة الأخرى من نفس النيل سكان البحر بمراكبهم الصغيرة أمام جزيرة الذهب العشوائية.
العيشة في البحر تغنيك عن العيشة في البر هكذا بدأ سمير كلامه مضيفًا: “أنا أتولدت في مركب الصيد دي، أبويا كان عايش فيها لما ضاق به الحال في بلده، وأنا عشت عمري كله فيها واتجوزت واحدة من جيراننا، عايشة في مركب برضه، وخلفت ولد عنده دلوقتى 16 سنة، وبنت عمرها 15 سنة، بنأكل ونشرب وننام في المركب”.
سمير حاله كحال المئات من جيرانه، وأبائهم من قبلهم الذين ضاقت بهم سبل الحياة في محافظتهم وقراهم الفقيرة التي طردتهم بطبيعة حالها إلى العاصمة بحثًا عن رزق وحياة أفضل.
لم يكونوا يعلموا وهم يغادرون أرضهم وغالبيتهم من محافظة المنوفية من عشرات السنين، إن تلك اللحظة ستكون هي النقطة الفاصلة في نهاية صلتهم بالبر وأنهم سيسكنون البحر للآبد ويعمروه بمئات الأبناء وعشرات الأجيال.
لكن يبدوا على الرغم من قسوة النيل الذي إعتاد ابتلاع أطفال، رجال ونساء من سكان المراكب إلا أن سمير، يشعر بالرضا قائلا ” العيشة في المياه أحسن من البر بتغنيك عن اللي بيحصل فوق من ضرب نار وقتل ونهب، إحنا هنا في أمان أكتر وربنا بيرزقنا.
وأضاف: “وبعدين ملناش مصلحة على البر، أنا كان عندي مركب واحدة في الأول وبعد سنين ربنا فتحها عليا وقدرت أجيب مركب تانية، واحدة فيهم هي بيتنا بنطبخ فيها على البوتجاز وبناكل وبننام فيها والتانية باصطاد سمك فيها وبأقابل أصحابي فيها عشان ما يصحش يقعدوا عندي في البيت”.
ويتابع سمير، أنه يستيقظ في الرابعة فجرًا ويخرج ليصطاد وتذهب زوجته بالسمك الذي قام بأصطياده إلى السوق لتبيعه، مضيفًا أحيانا بأرجع من غير ما اصطاد سمكة واحدة، وأيام تانية باصطاد كتير ده بيعتمد على منسوب المياه في النيل.
وكمان فيه صيادين كبار بيعرفوا ناس في الثروة السمكية بياخدوا كل الطعم اللى بنصطاد به السمك وبيصطادوا سمك مزارع وما نعرفش إحنا نصطاد.
ويتابع سمير، أنا ديمًا بأقول أن العيشة في المياه أحسن من العيشة على البر رغم إننا معندناش باب مقفول علينا وبننظم مواعيد نومنا عشان نلاقي مكان ننام فيه جوه المركب.
وناس كتير مننا اتعرضوا لسرقة ومفيش كهرباء وعيال كتير وقعت في المياه وغرقت ورجالة وستات كمان، لكن الحمد لله، فيه ناس تانية مش طايلة العيشة بتاعتنا, إحنا بنشتغل ونأكل عيالنا وبنجهزهم عشان يتجوزوا.
ويستطرد: المشكلة بس إننا مش عارفين نعلم عيالنا، المدارس مش بتقبلهم وبيقولوا لنا خليهم يروحوا مدارس في محافظة المنوفية.
كتبه|أحمد سلامة