أحمد سلامة يكتب: القيامة غدًا
في الحارة قالوا لنا إن القيامة قريبة وستظهر نجمة في السماء وينتهي العالم، أخبرنا بذلك حامل مفاتيح مسجد الرسول عليه الصلاة والسلام في رسالة إلى المسلمين.
تذكرت، وقلت ياربي ماذا فعلت بنفسي؟ لقد أضعت عمري وخسرت الآخرة.. وبدأت أحصي الفرائض التي لم أصلها، وعدت إلى البيت أغلقت الحجرة وأنا من الحزن والخوف والندم من النهاية أحوقل وأستغفر الله وأكبره كأن هذا الإله ماعرفته بهذه الهيبة من قبل.
بكيت، ياربي أرحمني، لقد ظلمت نفسي، ورحت أصرخ على شيطان لا أراه: كله منك.. لعنة الله عليك، سمعت كلامك وعصيت الله.
ثم أعود لأبكي وأستغفر الرحيم الغفور، وأنا أُخرج صور لنساء عاريات لأتخلص منها قبل القيامة، فقد كانت لي رفيق سوء، يجب التخلص منها فورًا، وأنا ألمها تذكرت الفيلم الخلاعي الذي كنت أدخره في كل مناسبة حب، ألعن صديقي الذي أهداني إياه، أخرجه من الحقيبة، أرميه بجانب أخواته المنكرات ورحت أغمغم: الحمد لله الذي هداني لهذا وماكنت اهتدي لولا أن هداني الله.
نهضت خارجا من الحجرة إلى حوش البيت لأشعل النار في هذه الموبقات.
في الحارة أوصدت “سيدة الحسن والجمال” الباب على “إبراهيم سليمان” وقالت كمن لم يعبرها في حب أو يمارسا عشق من قبل كأنها تراه لأول مرة كالغريب:
ألا تستحي من الله، الناس تنتظر النجمة في السماء والقيامة غدًا وأنت تطلبني في معصية.. اللهم إني ابرأ إليك من قلب لا يخشع ولا يحس ولا يشعر.
فأضطر إبراهيم سليمان أن يعود إلى بيته حزينا مما رأى وسمع، باكيا من تصرف حبيبته فلأول مرة تقابله بجفاء بعد عشرة، ومضى إلى قرآن متروك في آخر الحجرة علاه التراب، فنفض غباره وبدأ يُقلب صفحاته ليقرأ فيه.
واجتمع الجلاد بسجانيه يستمع إليهم ويشتكي ضعف أمره وهوانه على الناس ويطلب منهم الصفح والغفران.. فالقيامة غدا، ويبرأ إلى الله مما فعله بهم كعبد مأمور لا يستطيع الرفض.
وكان السجناء ينظرون إليه بدهشة لا يستطيعون الحراك من ثقل الألم الذي تنوء به أجسامهم يبتسمون في حزن بإنتظار ماستنجلي هذه المسرحية التي ينضحها هذا المهرج بسخاء.
في الحارة عاد حنفي السمسار ليخرج سحارته يُقلب ما أدخر فيها من ذهب ونقود ويبكي بصوت متوسل: أدخرتكم لليوم الأسود.. ليتني أخرجتكم صدقة للفقراء.. كسبت العالم وخسرت نفسي.. أعاهدك ياربي وهو ينشج بكاءً.. أن يكون هذا الذهب هدية للمساكين والفقراء إن إمتد بي العمر.
في الحارة أحرقت عائشة الجرواني كل رسائل الحب مع حبيبها محمد محمود، وأنذرته بأن ماحدث بينهما من لذة سيكون كنقطة في آخر السطر، وإذا أراد أن يستمر في حبه فليدخل البيت من بابه وإلا فليرحل بسلام، فالقيامة غدا.. وأن ألقى الله بوجه يحبه خير من أن القاه بمعصية.
ذهبت إلى الصلاة لأول مرة أدخل المسجد منذ زمن بعيد، القيامة غدا.. والصلاة في المسجد أكسب بها درجات من الله أمحو بها السيئات.
حين خرجنا من الصلاة كان محمود فرحان مجنون حارتنا يضحك في سرور وكأن القيامة خبر لا يعنيه في شيء، وتقدم منه الإمام سعيد مسعود ناصحا له: ” إلي متى تظل على حالك لا شهادة ولا عبادة، أدخل المسجد صلي ركعتين لله عسى الله يرحمك بعد توبة”.
فنظر إليه محمود فرحان وهو يمسح بيديه كأنما ليلتقط رد يشفيه: “إن الله في قلبي دائما والله أعلم بحالي، وأنا لا أخاف القيامة مثلكم ولكن أخاف الله وأحبه”.
فالتفت إلينا الإمام يحذرنا مما أنتابنا من غفله وباكر القيامة.. اذهبوا وأبكوا على أنفسكم.
فصمتنا ونكسنا رؤوسنا في حزن، ومضى محمود فرحان في طريقه مصطخبا بقهقهاته كأن قيامته مجرد ضحكة أو فرح، ولم يتغير شيء في الحارة.. لم نر نجمة في السماء، لم نمت، لم تأتِ القيامة.. عدا أن الشمس في الغد أشرقت.
بقلم-أحمد سلامة