ولاء شريف وصفي لـ”بوابة القاهرة”: التسويق السياسي والانتخابي ليسا وجهان لعملة واحدة
ولاء شريف: الرئيس السيسي خير مثال لتطبيق التسويق السياسي
التسويق هو علم متعدد المجالات والفروع، عرف قديما على إنه مجموعة من النشاطات الإنسانية التي تساهم في سهولة التبادل، حيث لا يقتصر على تبادل السلع فقط، بل يشمل أيضا العديد من الخدمات، كما يعتمد على فتح قنوات الاتصال بين المشتري والبائع.
وعرف التسويق حديثا على أنه تنفيذ الوظيفة المرتبطة مع التخطيط الاستراتيجي للجهود التي يسعى إلى توجيهها، وتفعيل دور الرقابة عليها، ضمن البرامج التي تحقق الأرباح للمنشأة مع توفير إحتياجات الناس.
ولعدم وجود الإهتمام اللازم من قبل الباحثين والكُتاب خاصة المتخصصين في مجال التسويق، نجد معظم الناس يخلط بينه وبين البيع أو الإعلان، وهما ليس إلا وظيفتان من وظائف التسويق الكثيرة، ولكن في ظل التطور التكنولوجي والإلكتروني وجدنا أحد مظاهر التسويق، وهو التسويق السياسي، أحد الاتجاهات الحديثة والمعاصرة لعلم التسويق الحديث.
صنف مفهوم التسويق السياسي على أنه فن للإقناع مع ظهور فلاسفة اليونان خاصة الفليسوف أرسطو، كما أنه طور في القرن السادس عشر، عصر النهضة مع ظهور الأفكار الخاصة بالفلسفة السياسية لنيكولا ميكافيلي.
وفي هذا الصدد أجرت “بوابة القاهرة” حوار مع الدكتورة ولاء شريف محمد وصفي، أستاذ التسويق السياسي، حيث يعد التسويق السياسي محور إهتمامها، وكانت فحوى دراستها لتوضيح مفهوم التسويق السياسي وكل مايتعلق به بعنوان “العوامل المؤثرة على إدراك الناخب المصري في الإنتخابات الرئاسية”، وإليكم الحوار كالتالي:
ما هو مفهوم التسويق السياسي
التسويق السياسي هو علم من العلوم الهامة في الـ 15 عام الأخيرة، حيث كان يتوجب علينا دراسته، فما قبل هذه الفترة كان يوجد علم التسويق السياسي في الدول الأوروبية فقط، وهو علم حديث في الوطن العربي، ودائما ينحصر التسويق السياسي في إطار التسويق الإنتخابي.
وكان يعرف التسويق السياسي على إنه إدارة الحملة الإنتخابية لمرشح برلماني أو رئاسي، ولكن في حقيقة الأمر هناك فارق كبير بين التسويق السياسي والتسويق الإنتخابي.
فيمكننا أن نعرف مفهموم التسويق السياسي على أنه تواصل الدولة مع المواطنين، بمعنى أن الدولة ممثلة بمؤسساتها تقدم خدمة للمواطن المصري أيا كان عمره ومجال مهنته، وأي مواطن يحصل على خدمة أو منتج من مؤسسات الدولة يعد ذلك تسويق سياسي.
وأداة التواصل هنا تتمثل عن طريق الموظف أو الوزير أو الرئيس الذي يقدم الخدمة، وإذا تم تقديم هذه الخدمة بشكل جيد نال رضا المواطن، ولكن إذا قدمت الخدمة بشكل سىء سوف تنال عدم رضا المواطن، حينها سيبدأ المواطن في توجيه اللوم وسيحدث إنقسام في الأراء.
الفرق بين التسويق السياسي والتسويق التجاري
التسويق التجاري هو أن نقوم بعملية الترويج لمنتج ما لإقناع المستهلك لشراء هذا المنتج وضمان إرضاءه، وهناك شتان بين المستهلك الذي يدفع المال في مقابل الحصول على المنتج كما في التسويق التجاري، أما التسويق السياسي فعلى سبيل المثال، حينما تقوم الدولة ممثلة في مؤسساتها بتقديم الخدمات لكي تحظى على إرضاء المواطن وكسب ولاءه وإنتمائه لمؤسسات الدولة، مثل، تواصل وزارة الصحة مع المواطنين أثناء جائحة كورونا عن طريق كافة الوسائل الإعلامية لنشر التوعية الصحية وإعلان الاحصائيات أولًا بأول، فالمواطن هنا يحصل على خدمة، إذا يعد ذلك تسويق سياسي يحمل رضا المواطن أو عدم رضا المواطن عن دور الوزارة، إذا هو يعتبر ترويج لسياسة الدولة وإدارتها.
ما هي أنواع التسويق السياسي
لا يقتصر التسويق السياسي على التسويق الداخلي فقط، فهناك نوعان هما، تسويق سياسي داخلي وتسويق سياسي خارجي، فالتسويق الداخلي كما ذكرنا هو تواصل الدولة مع المواطنين، أما التسويق السياسي الخارجي هو تواصل الدولة مع الدول الأخرى من خلال وسائل الإعلام أو الشعوب، لتصدير صورة الدولة ورؤيتها وغيرها.
على سبيل المثال، في مجال التسويق السياسي لمصر، ما هو الشعب المصري وما هي السياسة المصرية، هل مصر يوجد بها إرهاب كما يشاع، كل الأحداث التي تتم أثناء جائحة كورونا، منتدى الشباب وإفتتاح طريق الكباش وغيرها، كل ذلك يُعد تسويق سياسي، ويبين للعالم أن مصر بها إدارة سياسية قوية، ولا يوجد بها إرهاب ولا قمع للحريات والأراء، وهي قادرة على مواجهة جائحة كورونا وتداعيتها، ويوجد بها أرض خصبة للإستثمار وهو ما يروج له في المنتديات ليس لمصر فقط وإنما لجميع دول أفريقيا، وذلك يعد تواصل مع الدول الأخرى وتوضيح لصورة ومكانة مصر مع الدول الأوروبية والعربية والأفريقية.
الفرق بين التسويق السياسي والتسويق الإنتخابي
هناك فرق كبير بين التسويق السياسي والتسويق الإنتخابي، التسويق السياسي أشمل وأهم، أما الإنتخابي هو الخاص بإدارة الحملة الإنتخابية لمرشح برلماني أو رئاسي، ويُعد هذا المرشح مثل المنتج الذي نضع له خطة تسويقية لإقناع فئة من المجتمع به.
والترويج للمرشح يأتي عن طريق سرد ما سينفذه برنامج الانتخابي حال فوزه، وذلك هو ما نجهله في مصر منذ القدم، لكن في الآونة الأخيرة ظهر البرنامج الإنتخابي هو الوعود الإنتخابية الخاصة بالمرشحين في مختلف المجالات التي يكون قادر على تحقيقها للمواطنين عن طريق حملته الانتخابية وتوزيع برنامجه الانتخابي على الفئات المستهدفة وأقناعهم بالتصويت داخل اللجان.
وفي حال خسارة المرشح ينتهي دور التسويق الإنتخابي، لكن في حال فوزه هنا يبدأ علم التسويق السياسي، على سبيل المثال عندما نطبقه على الانتخابات الرئاسية، كان الرئيس عبد الفتاح السيسي يعطي وعود للشعب المصري مع قراءة خارطة الطريق بالتواريخ، وكانت حملته الانتخابية تحمل شعار ولوجو باسم “تحيا مصر”، وبعد فوز الرئيس بالانتخابات ظل شعار حملته في جميع المناسبات والمبادرات.
الثبات على الشعار هو الثبات على المبدأ، حتى شعار الحملة يكمل المسيرة، ويعد ذلك تسويق سياسي، فعلم التسويق السياسي هو الأشمل، فنحن نجد حتى الآن الرئيس السيسي يتخذ خطوات ينفذ بها خارطة الطريق كالإهتمام بالبناء والطرق والصحة وجميع الملفات التي يتم فيها إجراءات سريعة جدًا بتواريخ معينة، وعندما يجد المواطن كل هذا الإنجاز تحدث له عملية إرضاء وإنتماء وبناء للثقة والمصداقية مع الدولة.
ما هي أدوات التسويق السياسي للدولة
الأدوات الإعلامية والإعلانية هي أدوات التواصل بين مؤسسات الدولة والمواطنين، ولكن الآن مع التطور التكنولوجي أصبحت منصات التواصل الاجتماعي بإختلافها هي أهم أدوات التواصل، خاصة بعد جائحة كورونا، على سبيل المثال، هناك صفحة شخصية للرئيس السيسي، وصفحة لرئاسة الجمهورية وأخرى لمجلس الوزراء، وغيرها من الصفحات التي تخدم المواطنين.
وهذه الصفحات لا توفر قاعدة بيانات خاصة بالمواطنين، ولذلك لجأت الدولة لتوفير تطبيقات على الهواتف المحمولة لجميع الهيئات، ملك للدولة المصرية وعند تحميل المواطن المصري لهذه التطبيقات هيتم بناء شبكة بيانات عن المشركين حتى يمكننا عمل تحليل إحصائي بشكل جيد عن المهتم من الناحية الجغرافية والناحية العمرية والنوع، وهنا ستصبح هذه التطبيقات مصدر هام في الداخل والخارج لأنها ستكون معلنة عن طريق جهة حكومية، وستبصح ذات أهمية من التلفزيون الذي أختص حاليا في نقل الأحداث.
وتبعا لذلك أصبح التلفزيون فى الترتيب الرابع، ولكن المرتبة الأولى لمنصات التواصل الاجتماعي، والمرتبة الثانية لتطبيقات الهواتف المحمولة، والمرتبة الثالثة هي المجموعات المحيطة بالفرد وما تحمله من توجيهات، بعد أن قلت مصداقية البرامج الحوارية لدى المواطنين نظرًا لما حدث في الماضي بإستضافة أشخاص ليسوا أهل خبرة ولا علم وأطلق عليهم “ناشط سياسي وناشط حقوقي” وبدأو يتحدثون من أجل الشهرة فقط، وليس من أجل نهضة البلد، بل زادوا الوضع خراب.
لكن في عهد الرئيس السيسي تم السيطرة على ذلك، وبسبب الفجوة التي حدثت في الماضي بين المواطنين ومشاهدة التلفزيون، فقدت المصداقية للمنتج الإعلامي المعروض، ولن يقتنع المواطن إلا بمشاهدة الأحداث الحية أو من متابعة المنصات الحكومية على وسائل التواصل الاجتماعي والتطبيقات الرسمية.
هل يُدرس التسويق السياسي للطلبة في الجامعات
التسويق السياسي لا يدرس في الجامعات للطلبة، ولكن من المفترض أن تُدرس كلية إدارة أعمال قسم تسويق وكلية الإعلام في الأعلام السياسي وكلية سياسة وإقتصاد قسم سياسة، هو مازال مادة للبحث العلمي حتى الآن في مصر وليست موجودة في الدول العربية.
ما هو مدى تأثير التسويق السياسي على الشرق الأوسط؟
مصطلح الشرق الأوسط يعد تسويق سياسي، فالغرب يروجون إلى الوطن العربي عن طريق جميع المنصات والأدوات المستخدمة في التواصل الإجتماعي، في الماضى كنا نقول على أنفسنا مصطلح عروبة والوطن العربي، أما الآن هم يطلقون علينا منطقة الشرق الأوسط وليس الدول العربية، ولكن يجب علينا أن نتمسك بعروبتنا ونقول نحن الدول العربية.
التسويق السياسي يُشكل الرأي العام، على سبيل المثال، تحركات الرئيس السيسي وإختلاف الأدوات المستخدمة في التواصل مع المواطنين مثلا، عن طريق تفقده للشوارع أو إجراء مكالمة تليفونية لأحد البرامج، يعد ذلك تسويق سياسي داخلي للمواطنين، وخارجي للعالم، كي تعلم الدول كيف يتواصل الرئيس مع مواطنيه ويتحدث إليهم في جميع القضايا.
هل مصر في حاجة إلى إدارة ملف تسويقها السياسي في ظل أزمة سد النهضة
تناول أزمة سد النهضة وما يحدث بيننا وبين الدول التي يوجد بها جدل حول سد النهضة، هي مشكلة قديمة جدا ليست حديث العهد، لكن الأحداث والإجراءات التنفيذية الخاصة بها تحدث الآن، ولكن هناك بعض الملفات لابد أن نعلم أنها ملفات أمن قومي يمس أمن البلد ككل، فلا بد من معرفة أن مجرد الإعلان عنها أو المحاورات الخاصة بها لن تكون متاحة للجميع، فالتسويق السياسي هنا ليس من الطبيعي أن يطرح على الملأ لإختلاف المستوى التعليمي والثقافي بين المواطنين، ولكن علينا هنا أن نكتفي فقط بما يدلي به الرئيس أو رئاسة مجلس الوزراء أو المسؤولين فقط عن هذا الملف، لكنه يجب على الدولة من حين لآخر إعلام المواطنين بما يحدث في هذا الملف لأنه يمس حياتنا وكلنا مواطنون في دولة واحدة.
هل يلعب التسويق السياسي دور العاطفة وخاصة أن الشعب المصري يتمتع بالكثير منها؟
لا، التسويق عموما هو دراسة العوامل المؤثرة على إقناع المستهلك، إذا التسويق السياسي هو دراسة العوامل المؤثرة على إرضاء الشعب المصري، فالشعب المصري هو شعب عاطفي بطبعه، ونتيجة لذلك نستطيع القول إن التسويق السياسي يشكل الرأي العام، ويسعى لكسب عاطفة وإنتماء الشعب المصري لمؤسسات الدولة، والغرب يهتم برصد ذلك.
التسويق السياسي هو فن التحدث والتفاوض.. كيف؟
بالفعل التسويق السياسي هو فن وعلم، وهو مهارة عند بعض الناس أن يكون قادر على التحدث بشكل لبق، ويتواصل وينجح في إقناع الشعب بالمنتج السياسي وفكره، لكي نسير معا في المسيرة ونصنع الإنجازات، على سبيل المثال “السادات” أقنع العالم كله بالسلام، إذا التسويق السياسي ليس فن فقط، ولكنه علم يدرس.
هل يتوجب علينا دراسة علم التسويق السياسي لتحليل المشهد السياسي؟
بالتأكيد نعم، علينا دراسة التسويق السياسي لتحليل لغة الجسد وتعبيرات الوجه ونبرة الصوت، فكل ذلك له مدلول على رسائل معينة، جميع الخبراء السياسيين الدوليين يحللون جميع كلمات الرئيس، كلمة كلمة، أو الوزراء، وطريقة إلقاءها حتى كيفية السير والزي الذي يرتديه، متى يكون رسمي أو كاجوال، كل ذلك رسائل سياسية يهتم الغرب بها، لكنها غريبة علينا بعض الشىء نظرا لحداثتها.
هل إستخدمت روسيا التسويق السياسي قبل غزوها للأراضي الأوكرانية؟
ما يحدث بين روسيا وأوكرانيا، وأن الدول العربية ستضرر من إحتماليه قيام حرب عالمية ثالثة، بالطبع هذه الدول تقوم بإرسال العديد من الرسائل، وهناك دول أخرى بدأت تنضم للتحالف ضد أوكرانيا، فالضرر الواقع على الدول العربية ليس مقتصر فقط على الخبز والقمح، لا، هناك تأثيرات أخرى نتيجة هذا التحالف سواء ضد أو مع، كل هذا يعد رسائل تسويق سياسي.
وفي الوقت الحالي لم أستطيع التكهن بما سيحدث، ولكننا نقوم بدراسة الأحداث الجارية ونحاول تحليل كل كلمة تقال وكل خطوة تنفذ، لأنه بالفعل الدول العربية جميعا سيحلها الضرر نتاج التحالفات بين الدول، وكان في ظل جائحة كورونا، والجدل الذي طالها هل هي حرب بيولوجية أم فيروسية، كل ذلك يقع تحت مفهوم التسويق السياسي، ومع التطور التكنولوجي الهائل سنجد أن الثقافة المجتمعية قد تغيرت.
هل وزارة الخارجية في حاجة لاستحداث أدوات تسويقها السياسي؟
طبعا وزارة الخارجية في حاجة مستمرة لاستحداث أدوات التسويق السياسي الخارجي، ولكن ليس فقط للإعانات، كلنا لم نشيد بالدور الذي قام به المنسقين في الوزراة وقت زيارة الأمير “تشارلز” لمصر وتقديم صورة المرأة المصرية لزوجته على أنها تتعرض للضرب والإهانة من زوجها لكي تنزل للعمل، وكان مشهد تمثيلي ملىء بالألفاظ والاساءة للمرأة المصرية.
ولكن كان الهدف من ذلك المشهد هو ضمان إستمرار الدعم المالي من مؤسسة “UN” لعزبة خير الله، وكان مشهد خاطىء جميعنا انتقدناه، فالمرأة المصرية ليست بهذه الصورة، فالتسويق السياسي علم من العلوم الهامة جدا، ليس من السهل على أي شخص إمتهانها فلابد من دراسته، بأخذ درجة علمية، مصر الآن أدركته وأهتمت به وبدأت أستخدام كل أدواته لإرضاء المواطن المصري والتواصل مع الدول الأخرى.
واختتمت الدكتورة ولاء شريف وصفي حوارها لـ”بوابة القاهرة”، قائلة: إن التسويق السياسي هو المظلة الكبيرة التي يندرج تحتها التسويق الاقتصادي وتسويق الاستثمار والتسويق السياحي والتسويق الزراعي والتسويق في كل المجالات والقطاعات، والتسويق المجتمعي وهو تسويق الثقافة والفنون، مشيرة إلى أن مشاهدة الأفلام لم تقتصر على التلفزيون فقط، ولكن يوجد الآن منصات للمشاهدة مثل “نتفليكس” تريد أن توصل رسائل معينة للتأثير على الشعب العربي، مثل ما استخدم في الترويج عن المرأة بصورة معينة، ولم يذكرها كطبيبة أو مهندسة أو وزيرة.
حوار| أحمد سلامة