لماذا سمي ذو القعدة بهذا الاسم وما هي الأعمال المستحبة فيه؟
يبحث الكثرون عن لماذا سمي ذو القعدة بهذا الاسم وهو الشهر الحادي عشر من السنة القمرية أو التقويم الهجري.
شهر ذو القعدة هو أول الأشهر الحرم المذكورة في القرآن الكريم “ذو القعدة، ذو الحجة، محرم، رجب”، الأشهر التي كانت تتقيد وتمتنع فيها القبائل عن القتال إلا إذا كان ردا على العدوان.
ذو القعدة شهر يتضاعف فيه الحسنة كما تتضاعف السيئة، حيث إتجه الإمام الشافعي وعدد من العلماء إلى تغليظ وتعظيم دية القتيل في الأشهر الحرم.
وجدير بالذكر أن الأشهر الحرم أشهر كريمة لحرمتُها عند الله تعالى، فقد إختصها سبحانه وتعالى دون شهور العام كلها، حيث أمر بتعظيم حرمتها لأنها شهور فاضلة.
كما نهى الله فيها عن الظلم وتجنب وقوع المسلم في الآثام، لأن إحتساب الآثام يتضاعف في هذه الأشهر فيها لحرمتها كما يتضاعف أجر الأعمال الحسنة بها.
لماذا سمي ذو القعدة بهذا الاسم وباقي أسماءه
إختلفت الأقاويل حول سبب تسمية شهر ذو القعدة بهذا الإسم حيث إنه في عهد كلاب بن مُرَّة الجد الخامس للرسول “صلى الله عليه وسلم” عام 412 ميلاديا تم تسمية بهذا الإسم تيمنا بفكرة القعود عن الحرب.
وجاء سبب ذلك لأن العرب كانوا يلتزمون منازلهم في شهر ذو القعدة ويقعدون فيه عن القتال لحرمته وتعظيمه إستعدادًا للحج في شهر ذي الحجة.
حيث قال البيروني: “وذي القعدة للزومهم منازلهم”، ويقول أيضا “ثم ذو القعدة لما قيل فيه اقعدوا أو كفوا عن القتال”.
وهناك ما قيل إنه سمي ذو القعدة لقعودهم في رحالهم عن الغزو وعن السفر لإبتياع طعامهم وطلب الكلأ، وذلك لما ورد في لسان العرب.
وكانوا العرب يقولون “سمي بذلك لقعودهم في رحالهم عن الغزو والميرة وطلب الكلأ” فكان ذو القعدة شهرًا هادئًا في الجزيرة العربية.
وفي تفسير أسماء الأشهر الإسلامية في المصباح المنير جاء “ذو القعدة لما ذللوا القعدان”، والقعدان هنا جمع قعود والمقصود به “ابن الجمل”.
أما في السريانية فإن معنى “ذو القعدة” يفيد الركوع وإنحناء الركبة، ومن المعروف إنه سمى ذو القعدة في الجاهلية لأنه كان شهرا مقدسا محرما يحرم فيه القتال.
شهر ذو القعدة عند العرب
لماذا سمي ذو القعدة بهذا الاسم يُذكر أن بعض العرب قديما كانوا يطلقون على شهر ذو القعدة قديما، “حَرْف” و “هُواع” و “وَرْنَة” و “الرَّنَّة الصيحة الحزينة” نسبة للصوت الحزين عند الغناء.
أو لأنه كان يمثل ذلك الوقت الذي يتحركون فيه إلى الحج مغنّين مُلَبّين، بالإضافة إلى أن أصل حجهم كان مكاء وتصدية (صفيرًا وتصفيقًا).
كان شهر ذو القعدة، مثله كمثل باقي الأشهر الحرم حيث يعد مناسبةً لإقامة الأسواق للتجارة والشِّعر وتبادل المنافع والسلع في كل من أسواق عطاظ والمِرْبَد وذي المجاز والمِجَنَّة.
ما هو سوق عكاظ في الجاهلية؟
جرت العادة أن يعقد سوق عكاظ بمكة في شهر ذو القعدة، ويوجد هناك روايتان عن وقت أنعقاده مختلفتان، أولهما تقول أنه كان ينعقد في أول عشرين يوم من “ذو القعدة”.
أما الرواية الثانية تقول إن سوق عكاظ كان ينعقد من نصف شهر ذو القعدة إلى آخر الشهر، ثم ينصرف التجار بعد ذلك إلى سوق ذي المجاز عندما يروا هلال “ذي الحجة”.
وكان من العرف أثناء إنعقاد هذه الأسواق عندما كان الرجل يلتقى قاتل أبيه أو أخيه فلا يهجم عليه تعظيمًا لحرمة هذه الأشهر الكريمة.
على الرغم من ذلك فكان يكثر الخلاف على أول ليلة في شهر ذو القعدة، فقد كان يستحل فيها الخلاف حتى من الملتزمون بحرمة الشهر.
وكانوا يسمون هذه الليلة الواقع عليها الخلاف “الفَلْتَة”، لأنها كالشيء المُنْفَلت بعد وثاق، ولأنهم لا يدرون هل هي من شهر شوال أم من شهر ذو القعدة.
وعلى الجانب الآخر من الحيرة، في بداية الشهر كان الموتورون يستغلون تلك الحيرة ويسارعون في الأخذ بثأرهم خوفًا من أن يتأخروا في أخذ الثأر.
فإذا كان الغد بداية شهر ذو القعدة فسيكون حينها دخل عليهم الشهر الحرام فتفوتهم فرصة الإنتقام والأخذ بثأرهم حسب ظنهم.
وهناك رواية أخرى عن ما يسمى بيوم “الفلتة” في الجاهلية، حيث كان للعرب ساعة تسمى بـ “الفتلة” يهجمون فيها على بعض، وهي آخر ساعة من آخر يوم في شهر شوال.
وكانوا إذا ظهر هلال شهر ذو القعدة، بحجة أن تلك الساعة ما زالت تعد من أيام شوال ما لم تغيب الشمس منها، أو حتى ربما رأى الهلال قوم ولم بيصره الآخرون فيهجم من رأى على من لم يرى فجأة.
فضل شهر ذو القعدة
بعد توضيخ لماذا سمي ذو القعدة بهذا الاسم وجب توضيح فضل شهر ذو القعدة إلى جانب كونه أول الأشهر الحرم المُتوالية التي نهى الله عن الظلم والقتال فيها تشريفًا لها، حيث ذكر القرآن الكريم حرمة الشهر.
يقول الله عز وجل: “الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ”، إلا أن العمرة فيه سنة عن نبى الله محمد “صلى الله عليه وسلم” لأن عُمرات النبي جميعها كانت في شهر ذو القعدة.
قَالَ أَنَسٌ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: «اعْتَمَرَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- أَرْبَعَ عُمَرٍ، كُلَّهُنَّ فِي ذِي القَعْدَةِ، إِلَّا الَّتِي كَانَتْ مَعَ حَجَّتِهِ: عُمْرَةً مِنَ الحُدَيْبِيَةِ فِي ذِي القَعْدَةِ، وَعُمْرَةً مِنَ العَامِ المُقْبِلِ فِي ذِي القَعْدَةِ، وَعُمْرَةً مِنَ الجِعرَانَةِ، حَيْثُ قَسَمَ غَنَائِمَ حُنَيْنٍ فِي ذِي القَعْدَةِ، وَعُمْرَةً مَعَ حَجَّتِهِ».
الأعمال المستحبة في شهر ذو القعدة
عزيزي المسلم كما حرصت على معرفة سبب لماذ سمي ذو القعدة بهذا الاسم ينبغي أن نتعرف ايضا على الأعمال المستحبة في شهر ذو القعدة.
ينبغي على المسلم الإكثار في هذه الأشهر الحرم من الأعمال الصالحة، حيث حثنا النبي “صلى الله عليه وسلم” على ذلك.
يقول “صلى الله عليه وسلم”: «صُمْ من الحُرُم وأترك، صُمْ من الحُرُم وأترك، صُمْ من الحُرُم وأترك، وقال بأصابعه الثلاثة فضمَّها ثم أرسلها»، رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه، بمعنى أن النبي أشار بصيام ثلاثة أيام وفِطر ثلاثة أيام أخرى.
ومن الأعمال المستحية في شهر ذو القعدة ايضا، ما ذكره الإمام الطبري في تفسيره عن “قتادة” أنه قال: “إن الظلم في الأشهر الحرم أعظم خطيئةً ووِزْرًا من الظلم فيما سواها، وإن كان الظلم على كل حالٍ عظيمًا، ولكن الله يعظِّم من أمره ما شاء”.
وروى عنه أيضًا قال: “إن الله اصطفى صَفَايا من خلقه؛ اصطفى من الملائكة رسُلًا، ومن الناس رسلًا، واصطفى من الكلام ذكرَه، واصطفى من الأرض المساجد، واصطفى من الشهور رمضان والأشهر الحرم، واصطفى من الأيام يوم الجمعة.
كما اصطفى الله من الليالي ليلة القدر، فعظِّموا ما عظم الله، فإنما تعظم الأمور بما عظمها الله عند أهل الفهم وأهل العقل”.
هذا بالإضافة إلى كثرة التقرب إلى الله تعالى بالعبادات الصالحة، كالصلاة والصيام وإخراج الصدقات وتأدية فريضتي الحج والعمرة والذكر وغيرها من الأعمال الحسنة عظيمة الثواب عند الله.
هل يجوز صيام السته البيض بعد شهر شوال؟
يجوز صيام الست البيض في شهر ذو القعدة، فمن أفطر في رمضان لعذر ما من المستحب قضاء ما فاته أولا ثم صيام ما يشاء من النوافل أي الست من شوال المعروفة باسم “الست البيض”.
هناك مجموعة من أهل العلم ترى إنه “لِمَنْ عليه قضاء رمضان بعذر أن يتطوع بصوم قبل القضاء، أما من تعدى بفطره أي أفطر بلا عذر فيلزمه القضاء فورا”.
كما أنه يجوز لمن أفطر رمضان لعذر ما عليه أن يقضي صيامه في شهر شوال، ويتبعه بصيام ستة أيام من شهر ذو القعدة.
لأنه من المستحب قضاء الصوم الراتب، أو يعمل بقولِ مَنْ قال “أن بإجزائها وحصول ثوابها لمن أخَّرها عن شوال وذلك تحصيلًا لثواب صيام السَّنَة”.
ماذا حدث في شهر ذو القعدة
هناك العديد من الأحداث الإسلامية الهامة التي حدثت في شهر ذو القعدة يبحث عنها الكثيرون بالإضافة إلى بحثهم عن لماذا سمي ذو القعدة بهذا الاسم .
شهد ذو القعدة وقوع غزوة الحديبية سنة 6 هجريا، عمرة القضاء لرسول الله سنة 7 هجريا، معركة الفراض 12 هجريا بين المسلمين وتحالف جيوش الفرس والروم والعرب.
كما شهد الشهر معركة فحل بيسان سنة 13 هجريا بين المسلمين بقيادة خالد بن الوليد والروم، وخروج رسول الله صلى الله عليه وسلم من المدينة لأداء حجة الوداع 15 هجريا.
كما شهر ذو القعدة فتح مدينة “جلولاء” سنة 16 هجريا، وإعلان الخلافة الإسلامية بالأندلس عام 316 هجريا.
كما شهد إجتياح التتار لبلاد ما وراء النهر سنة 617 هجريا، كان هذا الاجتياح بمثابة النكبة التي حلَّت بالأقاليم والممالك الإسلامية الواقعة فيما وراء النهر.
كما وقعت معركة نيكوبلي في ذو القعدة سنة 798 هجريا، كما سقطت المجر في يد الخلافة العثمانية عام 932 هجريا.
كما شهد ذو القعدة ايضا إحتلال القوات الروسية لمدينة بوخارست عاصمة الأفلاق سنة 1243 هجريا.
كتبه| جهاد أمين