عمرو الهلالي يكتب: نحو قانون إنتخابي عادل لمجلس النواب (1)
تتميز القوانين الإنتخابية في الدول المستقرة ديمقراطيا بأنها قد وصلت إلى الشكل الذي يخدم إحتياجاتها التشريعية وتوزيعها الديموجرافي عبر سلسلة من التطورات والتغيرات في تلك القوانين حتى وصلت إلى شكلها الحالي وعبر محددات أصبحت معايير دولية تشمل تمثيلا عادلا لجميع فئات المجتمع مع وجود إنحراف معياري بسيط ومقبول بين أعداد الناخبين لكل نائب مما يجعل تلك المجالس ممثلة حقيقية لمجتمعاتها وإحتياجاتها.
وقد مر نظام الإنتخاب المصري لإختيار أعضاء المجالس التشريعية خصوصا بعد ثورة الخامس والعشرين من يناير 2011 وحتى الآن بعدد كبير من التغيرات التي حكمت المشهد السياسي المصري، وشكلت فيما شكلت رافدًا هاما وأساسيا لمعرفة المزاج الشعبي ومن بعد القومي لدارسي علوم الإنتخابات وقوانينها، وتنوعت بين النظم الخليطة بين الفردي والقائمة.
حيث شهدت إنتخابات مجلس الشعب المصري في عام الثورة 2011 نظاما مزج بين إختيار المواطنين لممثليهم عبر نظام القوائم التي مثلت تقريبا ثلث مقاعد المجلس (166 مقعدا)، والإختيار الفردي للثلثين الباقيين (332 مقعد)، واللذان شكلا سويا كامل مقاعد المجلس المنتخبة من 498 عضوا، في الوقت الذي كان الحديث في البداية مع المجلس العسكري والذي حكم البلاد بعد تنحي الرئيس مبارك عن الحكم في فبراير من نفس العام إلى نظام إنتخابي تكون أعداد مقاعده الفردية هي التي تمثل فقط ثلث المجلس، فيما يتكون بقية ثلثي المجلس من ممثلي الشعب في نظام القوائم.
ورغم الحكم بعدم دستورية القانون نتيجة إقتصار القانون المنظم لتلك الإنتخابات تكوين القوائم على الحزبين دون غيرهم، فيما فتح الباب امام المستقلين والحزبين فقط في الترشح على المقاعد الفردية، مما مثل إنتهاكا واضحا لمبدأ المساواة والعدالة والتي أدت في النهاية إلى حل المجلس والدعوة إلى إنتخابات جديدة، لم تأتي إلا بقيام ثورة الثلاثين من يونيو عام 2013.
وتغير قانون الإنتخابات بعد إصدار دستور جديد للبلاد، أضاف إلى مكونات المجلس محددات جديدة من تحديد تمثيل لفئات التمييز الإيجابي كالأقباط والمرأة والمصريين في الخارج والشباب وممثلي ذو الإحتياجات الخاصة والفلاحين والعمال، بعد أن كانت قوانين الإنتخابات قبل ثورة يناير 2011، تقتصر على الحفاظ على نسبة الـ50% للعمال والفلاحين والتي تم إلغائها بعد قيام الثورة، ليضطر واضع القانون الجديد إلى مراعاة تلك المحددات الدستورية في إنتخابات مجلس النواب 2015، ومعتمدا على نظام يمزج أيضا بين نظام الإنتخاب الفردي والذي إرتفعت أعداد مقاعده للعدد 448 مقعد بعد أن كان 332 مقعدًا في انتخابات 2011، ويستقر مجموع عدد المقاعد لنظام القوائم الإنتخابية عند 120 مقعدا مثلت فئات التمثيل الإيجابي الست عددا وافرا منه مع وجود عدد أخر للشخصيات العامة خارج تلك الفئات.
مما عرض القانون في أوقات كثيرة ولاحقة – ومنهم وجهة نظري – إلى وجود شبهة عدم دستورية نتيجة لإختلاف عدد الناخبين لكل نائب في نظامي القائمة والفردي، وليصل عدد مقاعد برلمان 2015 المنتخبة إلى 568 مقعدا وبزيادة 170 عضوا عن الإنتخابات السابقة.
وكان السبب المعلن هو إلغاء مجلس الشورى في دستور 2014، مما جعل من الواجب تعويض تلك الأعداد والدوائر بزيادة التمثيل التشريعي في برلمان 2015.
ورغم أن وجهة نظري التي إنتصر لها المشرع أخيرا أن إلغاء الغرفة الثانية في المجلس التشريعي في مصر لا يخدم سرعة التطور التي نطلبها لدراسة القوانين وتقسيم العبء على مجلسين يتكفلا بهذه المهمة الثقيلة خصوصا بعد تغيير الدستور وإحتياج البلاد إلى تغيير كبير في ترسانة القوانين التي تتوافق مع أحكام الدستور الجديد، وكذلك تعطيل العمل للمجالس المحلية منذ قيام الثورة وحتى الأن.
ومع دخول محددات جديدة في التعديلات الدستورية الأخيرة والتي “عقدت” إختيار نظام إنتخابي يخدم التطور الحزبي والديمقراطي في مصر – حسب رؤيتنا – بتحديد نسبة ثابتة للمقاعد المخصصة للمرأة ضمن مقاعد المجلس لتصل إلى 25% منه، ووجود محددات أخرى لم تتغير من إختيار عدد من المقاعد (غير محدد) لبقية فئات التمييز الإيجابي، ووجود قانون ملزم بتمثيل عدد من المحافظات قليلة السكان والناخبين بعيدا عن شروط ومعايير الإنحراف المعياري ونسبته بين الناخبين والنواب، فإن النظام الذي يمكن أن يحقق تلك المعايير الدستورية القانونية أصبح لزاما له أن يكون جزءا منه بنظام القوائم المغلقة والتي تحوى تلك الفئات المحمية دستوريا وبشكل أصبح – بعد تثبيت نسبة المرأة في المجلس – أكثر تحديدا للنسبة التي ستكون مكونة لتلك القوائم.
ولذلك فإن النظام الإنتخابي القادم لمجلس النواب الجديد سيكون ملزما بتلك المعايير، مما يجعله محافظا على الشكل القانوني والدستوري على حساب عدالته في تمثيل فئات المجتمع المختلفة والدوائر الإنتخابية المحلية بشكل لا يمكن معالجته إلا بالحصول على قدر معقول من المتطلبات الخاصة بكفائة بقية أعضاء المجلس “المنتخبين” لتفعيل دور المجلس التشريعي والرقابي المطلوب.
بقلم-عمرو الهلالي