عماد الأطير يكتب: التنمر في زمن فيسبوك
مع إنتشار الميديا وكذلك وسائل التواصل الاجتماعي، ظهرت حالات تنمر كثيرة، وقد رأى الكثير منا أو شاهد الكثير من الحالات التي كان فيها التنمر سبب واضح لتدمير حياة البعض.
وللتنمر أشكال مُتعددة ومنها، التنمر الإلكتروني الذي هو مشترك مع التنمر الطبيعي الموجود بين البشر في الحياة العامة من خلال التنمر باللفظ، ولا يختلف إلا في نوع واحد فقط وهو التنمر الجسدي حيث لا يوجد فرصة على الإنترنت لممارسة العنف الجسدي مع الشخص حيثُ لا توجد مواجهة مباشرة بين الطرفين.
وقد يتخذ التنمر الإلكتروني أشكال عديدة على الإنترنت، من خلال التنمر عبر الرسائل والتعليقات على “فيسبوك”، أو من خلال نشر صور مؤذية للشخص، أو من خلال صانعي المحتوى اللذين يقومون بعمل فيديوهات تحتوي على تنمر من أجل جذب المتابعين دون النظر إلى تأثيرها وتداولها على الشخص نفسه.
حيثُ قد يكون التنمر على الشخص في شكله الذي ليس لهذا الإنسان يداً فيه فهو خلق الله، أو في نوعية الملابس حسب ظروفه المادية، أو ما شابه ذلك من الأمور الأخرى.
للأسف هُناك البعض يأخذ موضوع التنمر من باب الفكاهة والضحك والأستظراف، فهو يحاول أن يجعل الآخرين يضحكون دون النظر إلى تأثير ما يقوله على الشخص الذي تعرض لهذا التنمر، فقد يضحك البعض ولكن لم ينظر أحد من هؤلاء إلى تأثير تلك الكلمات والضحكات على الشخص الذي يعاني من التنمر فقد يمر بحالة سيئة من الأكتئاب وقد يفكر في الإنتحار.
وهناك نوع آخر من التنمر يكون سببه الغيرة من النجاح، فيحاول التقليل من نجاح الأشخاص الأخرى من خلال التقليل منهم أو مما يقومون به لجعلهم يفقدون الثقة في أنفسهم.
فعلى الأشخاص المتنمرة أن لا تكون سكيناً حاداً لذبح الأشخاص الأخرى اللذين يعانون من التنمر يومياً على شكلهم، فلا تكون أنت ومن شابهك سبب في زيادة المشكلة عليه وتعمل على ذبحه وتضييق صدره من خلال الضحكات والكلمات القاتلة التي تصوبها كالرصاص في وجهه.
وهذا التنمر والاستهزاء والسخرية نهاها الله سبحانه وتعالى في كتبه السماوية، سواء في القرآن الكريم أو في إنجيل متى، وهنا يأتي البعض ويسخرون من ديانة الآخرين، فالدين لله والوطن للجميع، وأنت لست الرب الذي يُحاسب البشر فكن في نفسك وفي الحفاظ على تعاليم دينك ولا تؤذي الآخرين فلهم رب سيُحاسبهم.
ومن حالات التنمر المنتشرة كثيرًا، هو التنمر الذي يحدث في المدارس وهو أخطر أنواع التنمر، وذلك لآن الولد أو البنت لا يملكون العقل الكبير الواعي لكي يواجهون هذا التنمر، وقد يدفعهم إلى فقدان الثقة في أنفسهم، وقد يدفع البعض منهم إلى الانتحار أو العزلة وعدم الرغبة في الذهاب للمدرسة.
وحتى نستطيع أن نقضي على تلك الظاهرة، لابد أن تكون البداية من البيت ومن المدرسة من خلال الأب والأم ومن خلال المعلمين والمعلمات، وذلك من خلال أن يتم بناء أسس وقواعد لدى الأطفال في هذا السن الصغير بأن يحترمون زملائهم، ولو هناك عيب خلقي فيأكدون بعدم الكلام فيه لزميلهم أو زميلتهم.
وحتى يتم إيقاف التنمر وعدم التعرض للأذى منه، سواء كان إلكتروني أو في المدارس أو النوادي أو أي مكان، يجب علينا أن نتخذ بعض الأساليب الأحتياطية لكي نحافظ على أنفسنا، ومنها عدم نشر صور شخصية، وكذلك الحفاظ على سرية معلوماتنا على الأنترنت، وإغلاق الرسائل المسيئة، والحماية من الأختراق للحسابات الشخصية.
وفي الحياة الطبيعية، من خلال حديث الآباء مع أبنائهم من خلال التأكيد على حب الزملاء وعدم السخرية منهم، وعندما يكون طالب أو طالبة ملابسها بسيطة أو غير قادرة على دفع الرسوم الدراسية، أن يتم إبلاغ الأب والأم لأبنائهم بأن يقولون لهم لو في زميل لكم ظروفه صعبة يتم أخبارنا لكي نساعده، لآن ديننا يقول لنا ذلك، ويشجعنا على أن نقف جميعاً مع بعضنا البعض.
فيزرعون البذرة الصغيرة بداخلهم وهو حب المساعدة والوقوف بجانب زملائهم حتى تصبح شجرة كبيرة يستظل تحتها الجميع بالحب والأخوة، فأن الله سبحانه وتعالى في عون العبد ما دام العبد في عون أخيه، فيجب علينا جميعاً أن نبدأ ونتخذ مبادرة فعلية وليس بالكلام في القضاء على تلك الظاهرة.
وأن يبدأ الجميع صغير أو كبير من اليوم في عدم توجيه إساءة أو سخرية أو رسالة مسيئة إلى أي شخص، وأن يختار كلمات النقد التي لا تؤذي مشاعر الآخرين، وأن نحترم بعضنا البعض ونتقبل خلق الله وظروف الحياة حتى نعيش جميعاً في أمن وسلام ومحبة.
بقلم| د. عماد عبد الحي الأطير