مقالات وآراء

طيور ملونة

“نحن محظوظون”، يشير صديقي الأوروبي بعد قوله تلك الجملة بسبابته إلى رأسه، بمعنى أنني مجنون لأني لا أرى تلك الحقيقة، يستفيض في الشرح بأننا هنا نجلس في شُرفةً تطل على البحر، نتبادل الحديث بلغة وسيطة، نحمل قدرًا مشتركًا من المعلومات، ونتبادل الود والآراء!.

أفكر، في وقت ما، كان أسلافي يجن جنونهم من مجرد رؤية ملامح عدوة تشبه ملامحه القوقازية، ذلك الأنف الحاد والعيون الزرقاء العميقة.

وأسلافه قد يقفزون تحفزًا إن سمعوا مني كلمة يعرفونها من قبل من تجار عرب، يستطرد صديقي “كان ماضي في معظمه أسود يا صديقي”.

في أرض واسعة صفراء، منذ سنين، أمام باب المنزل الأخضر، من طابق واحد، ألعب وأنا طفل، وعيني على الغروب من وراء الجبل البعيد.

أبي الذي كان يعمل في الخليج في قرية في الأطراف الصحراوية، يعد الآن شايًا على الفحم أمام المنزل ككل يوم، وينتظر عم حسن جارنا بعد أن ينتهي من غسيل سيارته ككل يوم أيضًا.

أقول “أبي أنظر”، وأشير إلى طائر ملون غريب، يرد قائلاً إن زملائه في العمل رأوا مثله البارحة، يقولون أنها طيور مهاجرة لأوروبا.

أقول أنها جميلة جدًا، يتوقف عم حسن عن مسح سقف السيارة المجهد من فرط الغسيل لوهلة، ناظرأ إليّ، مبتسمًا بحنو “ما يذهب لأوروبا يجب أن يكون ملونًا يا حبيبي”.

جدي كان يرى الأوروبيين آلهة، علموه كل شئ في الشركة التي عمل بها من قبل الثورة. أما أبي فمثل جيله، يعيش مرحلة ما بعد لكمة ٦٧، الغرب عدو حتى ولو حسن مظهره.

أما أنا، فأراهم أندادًا لي تمامًا، وأن كثيرًا منهم يتمتعون بصَرح لا يستحقوه من تركة أجداد عظام. وأشعر بالمرارة لذلك على الدوام.

خضنا ثورة توقًا للحرية، وبعدها رأيت الناس يختارون من يكره فكرة الحرية نفسها، أحلم بيوم يعصف الشك المنهجي بعقول الناس، فتتقد الأذهان ويتعقل التدين، وأخاف مع ذلك من فقدان رادع عند الجوعى، فهم سيأكلوننا أحياء عند هدم الحائط.

أرى المهاجرين من بلداننا، يحملون نفس ملامحنا، يلقون أنفسهم على أي شاطئ، أطالب الغربي بفتح ذراعيه تارة، وتارة أتردد عندما أرى كراهية وغدر يلوحون في عيون مهاجرينا تشربوها في خطاباتنا الدينية.

ما الصواب؟ ما الموقف الأصوب؟، صديقي، هذا العصر صعب، أنت في زمن آخر، وتخوض مسائل أسهل، وتصادف لقائنا في نقطة نادرة، أنا في منطقة أخرى تعيش في زمن آخر.

نستدعي الأمجاد ونصلي في المحراب وننتظر بغضب نصرًا بشر به العرافون ولا يأتي. أنا لا أعرف شيئًا، أسلافي وأسلافك تقاتلوا، كل طرف يرى الجنة في الموت، والخير في النصر، أما أنا فلا أرى شيئًا، ولا تشير بيدك لكي أفكر.. فقد فكرت طويلاً!.

بقلم| لؤي أحمد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *