صورة الشخصية العربية في الآداب الأجنبية
اهتمت الآداب العالمية مؤخرًا بالصورولوجيا، أي بدراسة صورة الآخر، ولهذا المجال من الدراسات الأدبية دور مهم في رصد الصورة التي يرسمها أدب شعب ما حول شعب آخر أو ثقافة أخرى، فضلًا عن دوره في كشف سوء الفهم المتبادل بين الأمم والشعوب المختلفة.
وأصبح هذا الموضوع مكينا في الأبحاث المقارنة، وقد عني العرب شأنهم في ذلك شأن سائر المقارنين بالمبحث الصورلوجي للوقوف ما أمكن على التصور الذي قدمته الآداب العالمية لصورة العربي ليس في مجتمعه العربي بل في المجتمعات الغربية.
وتحدثت الآداب الغربية منذ عهد شكسبير عن طبيعة العربي وميوله وأخلاقه وسلوكه ونمط تفكيره ومعيشته، غير أن هذه الصورة قد بنيت على كثير من التضليل والخداع وربما تأثرت تلك الصورة بالأفكار السائدة، كما أن تراجع دور العرب الحضاري في العصر الحديث قد أسهم هو الآخر في رسم صورة بائسة للمواطن العربي، ويمكن أن نضيف سببا آخر وهو الصراع العربي الصهيوني ومسألة فلسطين ونشاط الدعاية الصهيونية وتغلغلها في الفكر العالمي والإعلام الحديث، كل ذلك قد أسهم في إيجاد صورة سلبية للعربي في الآداب العالمية.
وتحتفي الروايات بدلالات صورولوجية مبثوثة في سياقات النص تتخذ أنماطا مختلفة يرصد عبرها ما سجله الغربي في ذاكرته من صورة مضللة عن العربي من خلال الطروحات الفردية للشخصيات التي تنم على نهج سياستها تجاه الآخر، وحملت أغلب الروايات الغربية صورا نمطية جاهزة، فمن يتأمل شخصية العربي ويحللها يعلم أنها مصطنعة.
ولسوف أقف عند عمل من أشهر أعمال شكسبير العالمية مسرحية عطيل وعطيل عربي من شمال إفريقيا طيب القلب يتميز بحسن السلوك والمثابرة لكن لسحنته السوداء مكانة في المجتمعات الغربية، فهو مغفل مع أنه مخلص ومجتهد في عمله، فقدم شكسبير نموذجا للعربي بسحنته السوداء وغفلته، وقد جمع عطيل بين الشجاعة والمهارة العسكرية إلا أن غيرته سيطرت على تفكيره، وهو شديد الثقة بالآخرين حيث وضع ثقته المطلقة في أمانة ياغو، وعطيل شخص محب ومخلص إلا أنه يتحول إلى قاتل مجرم بسبب هيجان عاطفته، ولم يكن عُطيل قاتلا ولا غيورا إلا بسبب أفعال ياغو.
ومثل عطيل ملامح الشخصية العربية سهلة الخداع وهو قائد عسكري محنك، ومن الصعب أن ينخدع بسهولة من قبل إنسان كياغو، فعلى الرغم من قوته إلا أن العادات العربية والتقاليد وشيم العربي مازالت تسيطر على عقليته.
فاستطاع ياغو بنجاح إدخال الشك والغيرة في قلب عطيل بعد أن أكد له العلاقة بين زوجته ديدمونة و كاسيو، مما أشعل نيران الغيرة في قلب عُطيل، فأثرت بشكل واضح على قراراته وعلاقته مع ديدمونة والتي تنتهي بمقتل ديدمونة على يدي عُطيل وانتحاره، فالشرف والأخلاق التي مزجت بدمه قادته إلى حتفه دون أن يتأكد من كلام ياغو.
وقد برزت العنصرية بشكل جلي في الرواية، فقدمت نموذجاً للفن العنصري والتحامل على السود، وقد أكد الكاتب على الفكرة الراسخة التي كان عطيل يئن تحت وطأتها وهي إحساسه الحاد بعقدة النقص بوصفه غريباً أسود البشرة، وكان محط ازدراء لدى الكثير من البيض.
لم تكن الشخصية التي رسمها الكتاب الغربيون للعربي شخصية متكاملة سواء إن كان البطل أو شخصية ثانوية، وغالبا ما صُور العربي بأنه إرهابي متعطش لسفك الدماء حتى وإن كان يدافع عن حقوقه، ساذج، سلبي، وصور كثيرة نلمحها في الثقافات الأوروبية تتهم الشخصية العربية بالجهل والتخلف والجمود الفكري.
ومن هنا ابتعد الكتاب الغربيون عن رسم معالم كاملة للشخصية العربية، وفي أغلب الأحيان اكتفوا باستعراض الجوانب السلبية فقط، على الرغم من أن خلق شخصية متكاملة هو ما يجعل القارئ ينجذب لقراءة الرواية.
وخاتمة القول: إننا اليوم بأمس الحاجة إلى ترجمة الأعمال الأدبية، وبالأخص الروايات العربية التي تعلي من شأن العربي، وتعيد بناء شخصيتنا العربية في الأدب الذي نكتبه بصورها الحقيقية دون ابتذال أو استغراق في الخيال، ومن الواجب إلقاء الضوء على الصور المزيفة للعربي التي رسمتها الآداب الأوروبية، وانتقادها وتوضيح الصورة الحقيقية للعرب.
صورة الشخصية العربية في الآداب الأجنبية
بقلم| الدكتورة ريما الدياب
كلية الآداب والعلوم الانسانية – جامعة دمشق