شهر المرأة: كيف تراه الأم العاملة؟
شهر المرأة
أتذكر منذ سنوات ليست بالقليلة، أن في بداية شهر مارس من كل عام ما كان يشغلني سوى التفكير في الهدية التي سوف أقدمها لأمي في عيد الأم. وحين كبرت بضعة أعوام أخرى وبدأت أطرق أبواب عالم المرأة، سمعت وقرأت عن شهر المرأة ويوم المرأة العالمي الذي يحين موعده يوم 8 مارس فكنت في حديثي عن هذه المناسبة أدلو بدلوي في أهمية العمل وتكوين الشخصية المستقلة وعدم الانصياع لسيطرة أي رجل ومثيلاتها من الأفكار التي تنشق كلماتها من عناوين الأخبار الحماسية التي تتسق مع هذا الحدث.
كيف أرى حقوق المرأة بعدما كبرت؟
والآن وبعد مرور أعوام أكثر لم ينتقل معي سوى نفس حيرتي فيما أقدمه كهدية لأمي (أدامها الله لي). أما عن بقية أفكاري فيما يتعلق بالمرأة وحقوقها فهي لم تتغير.
ولكن، دعنا نقول أنها دخلت حيز التنفيذ لتصطدم بصخور الحياة والواجبات وحقوق الآخرين عليك. لأعي أن فكرة تحقق المرأة لا يقف أمامها أو يعوقها الرجل بالدرجة الأولى على الأقل بالنسبة إلى وفي طبقة اجتماعية مثقفة تربى فيها الرجل على احترام المرأة ودعمها.
لكني وجدت أني وباختياري أوافق على تراجع ذاتي لخطوات ليتقدم مكانها وعن طيب خاطر أولوية زوجي وأطفالي ومنزلي.
قائمة مهام الأم العاملة
كوني سيدة متزوجة وأم جعل العدسة تلتقط ما هو أبعد من الصورة الفردية لي بحقوقي وأحلامي وشخصي.
بل اتسعت لتلتقط تفاصيل أخرى تجعل لحياتي مذاق يستحق ويستوجب إعادة ترتيب الأولويات. لأجدنني أبحث بالدرجة الأولى عن تحقيق التوازن بحياتي معتمدة الحكمة التي تحثني أن أمسك العصا من منتصفها.
فأنا أريد بمناسبة شهر المرأة أن أنجح في عملي، وفي تربية أولادي، وأحقق السعادة في حياتي الزوجية، وأهتم ببشرتي وصحتي وثقافتي.
وأطبخ أكلات أسرتي المفضلة، وأذهب بإبني لحضور تمارينه الرياضية، وألعب مع ابنتي، وأحافظ على تواصلي مع أصدقائي وصلتي بأفراد عائلتي.
وتخصيص وقت لنفسي، وحضور المناسبات الواجبة اجتماعيًا وغيرها. كثيرًا من المهام التي ويا للعجب يجب أن تنجز في ذات الـ 24 ساعة التي لم تعد تتسع شيء.
الشعور بالذنب هو بطل الحكاية
كثيرًا ما يصارعني شعوري بالذنب والتقصير، وللحق كثيرًا ما يتغلب علي لأنه دومًا يحصرني بين خانتين أحدهما أشعر فيها بظلم المحيطين. والأخرى أشعر فيها بالضغط على نفسي، فأدخل في متاهات فكرية ونفسية لا مخرج منها.
هل أنا أنانية لأني أؤجل الحمل مرة أخرى تاركة ابني وحيدًا دون إخوة. أم فقط أنه حقي وحق ابني وحق أخوه المستقبلي أن أنتظر لأكون مؤهلة نفسيا ومادياً؟
هل أعود إلى العمل وأضع ابنتي بدار حاضنة للأطفال، أم أنها لازالت أصغر من أن ألقيها بالساعات بعيدًا عني؟
لماذا لم أبحث أكثر عن متجر يبيع المنتجات بسعر أرخص؟ هل تفاوت الأسعار شيء لا يمكن استيعابه. أم أنا الكسولة؟
هل أُغيب ابني من تمرينه الرياضي الذي يحضره بانتظام لأقابل أصدقائي الذين لم أقابلهم منذ شهور، أم سأكون أُم مستهترة لا تهتم بابنها؟
لما علي أن أكمل ليلاً هذا العمل الذي لا ينتهي؟ هل أترك العمل؟ وإن تركت العمل هل هذا ما سيقربني من أطفالي؟
تشتت بين ما أريده وما يُطلب مني وما يجب فعله، وما علي استبعاده في دائرة لا تنتهي. غاب فيها عقلي عن منطقه وتحكم بي احساسي فارضاً حتمية تحقيق الأفضل. لكن ما هو الأفضل وهل هو موحد وثابت بين الكل؟
أنا أم مثابرة وليس مثالية
أدركت بعد فترات طويلة من التفكير والتعثر في أداء مهامي والغضب من نفسي لفشلي في تحقيق المطلوب أن المشكلة تكمن في معياري لتحقيق النجاح. بمعنى أنني وبيدي قد أضع أهداف مثالية صعبة المنال ثم أحزن على عدم تحقيقي لها.
التحدي هو أن أحدد المهام بناء على معرفتي بقدراتي ووقتي وطاقتي، وليست بناء على الأفضل في المطلق.
فالسعي وراء الأفضل في كل شيء دون النظر للعوامل المحيطة سوف لا يقودني سوي للسعي بطاقة مهدورة في كل الطرق ثم يوصلني لقمة الإحباط.
الأصل في الحياة المتوازنة ليس السعي وراء الكمال. ولكن بذل ما أستطيع من جهد لتحقيق أفضل النتائج طبقاً لظروفي وليس طبقاً للنتائج المثالية التي نقسو بها على نفسنا ونتجاهل فيها ظروفنا. التي وإن نظرنا لها بمنطقية يمكن أن نجد أن ما حققناه هو نجاح مرضي للغاية.
فالتروي قبل تكرار تجربة الأمومة ليس خطأ وليس صواب. بل هو نسبي حسب ظروف الأسرة وعودتي للعمل ربما لا يبقيني مع ابنتي أطول فترة.
لكنه مفيد لي ولها بشكل غير مباشر ووجودها في حضانة مناسبة يفرغ طاقتها بشكل إيجابي ويجعلها تتفاعل مع المجتمع.
وغياب ابني عن التمرين مرة واحدة كل شهر لا يضر به. كما أن وجودي مع أصدقائي يحسن نفسيتي ويمدني بالطاقة. وكثيرًا من أمور حياتي فقط تحتاج مني وعي بالفخ الذي ينصبه لي (جلد الذات) لأنه يضرني أول ما يضر.
حقوق المرأة لا تتعارض مع واجباتها
تحقق المرأة في المجتمع على النحو العملي والأسري والنفسي مما لا شك فيه متوقف على خلطة تتشكل من بعض الضغط والتوتر والانشغال.
وكثير من تفهم الخطأ غير المقصود الصادر مني وممن حولي والناتج عن هذا الضغط والرغبة في الوصول للأهداف. والمزيد من حبي لذاتي وتقدير ما أشعر به وإرضاء نفسي والمرونة في التفكير بالبدائل وتغيير الأولويات واجراء التعديلات.
فالنظر في صغري إلى شهر المرأة والأم في بعض الأفلام وإعلانات التلفاز والفيديو كليب ليس واقعي بالدرجة الكافية. لا في الشعور بهم ولا في تلبية احتياجاتهم وأداء واجباتهم.
فكوني امرأة عاملة وأم. يعني موافقتي على مضاعفة مهامي. فأنا من يلبي ويحضر ويحنو ويشجع ويربي ويرعى ويُهدئ أحيانا ويغضب أحيانا أخرى.
وفي مقابل هذا، التمتع بشعور التقدم المهني والتحقق والإنجاز العظيم والذي تتضاءل عظمته أمام الشعور بحب أولادي وتعلقهم بي وعشقي لملامحهم وتصرفاتهم وكلماتهم وفخري بنجاحهم وتطور شخصياتهم.
وأخيرا الشكر والأمتنان لكل هذه النعم التي وإن ترهقني أحيانا كثيرة فغيابها لا يمكنني تحمله أو استيعابه.
كتبه| ساره سعيد