دموع صنعت نجوم ومشاهير
لا نستطيع الحكم على شخصية ما سلبا وإيجابا بشكل دقيق، لمجرد معرفتنا ببعض سلوكيات الشخصية، إن نشأة أي إنسان لها دور كبير في تكوين شخصيتة وأحاسيسه وانطباعاته وانفعالاته، ولذلك إن الجوانب الشخصية والعاطفية ترتبط بشكل مباشر بمصير القرارات والاختيارات.
يتحول هذا الأمر إلى واقع ملموس عندما نقرأ بعض من السيرة الذاتية لشخصيات في دائرة الضوء من مختلف المجالات، ونجد ترابط بين هذه الشخصيات وبعضها البعض، رغم تناقض حالاتهم وتنافرها، والتضاد الكامل في حكاية كلٍ منهم، إلا أن هناك أشياء قد تجمعها إذا أمعنا النظر في محطات من طفولة كل منهم، فما الذي قد يجمع بين كل من: جوزيف ستالين، رينيه ماجريت، فدوى طوقان، آرثر شوبنهاور؟
إنها الطفولة القاسية والعاطفة المفقودة، التي ألقت بظلالها على تجاربهم فصبغتها وجعلت كلاً منها يحظى ببصمة مختلفة ليس بالضرورة أن تكون إيجابية، لكنها دون شك تركت أثرا كبيرا تجلى في مسيرتهم، ونلقي الضوء على بعض منها وعلى تنوعها في السطور القادمة.
رينيه ماجريت
رينيه ماجريت، هو رسام بلجيكي مرهف الحس، عرفت أعماله بسورياليتها وغرابتها وتحريضها على التفكير، لكن قصته الحزينة بدأت منذ طفولته ونشأته في كنف عائلة فقيرة مستمرة الترحال، وكان مرتبطاً بوالدته التي كانت تعاني من الإكتئاب وعدم سعادتها في حياتها الزوجية، مما دفعها إلى الإنتحار والقاء نفسها في النهر، وعندما تم العثور على جثتها واستخراجها من النهر وجدت في وضع غريب، فقد كانت عارية بالمصادفة من خلال اشتباك طرف ثوبها بوجهها الذي غطاه تماماً، فلم يقدر رينيه ماجريت على نسيان ذلك المشهد فترجمه إلى أعمال فنية متعددة.
فكانت أعمال رينيه ماجريت، الوجوه فيها دائما مغطاة وغير واضحة أو تظهر بشكل جانبي، كما كانت هناك لوحات تصور جثثاً أو جرائم قتل، وأيضاً العديد من الأجساد العارية، وقد تجتمع هذه العوامل الثلاثة في لوحة واحدة، مما يؤكد على الأثر العميق الذي تركته هذه الذكرى والإضطرابات في حياته وإبداعه.
الفيلسوف الألماني آرثر شوبنهاور
آرثر شوبنهاور، عرف بكتابته التشاؤمية وعزلته ونظرته إلى الحياة على أنها شر مطلق، وإلى إعجابه وزهوه بأفكاره، لكن حياته كانت أيضاً حزينة، فقد مات والده منتحرًا وتركه في سن السابعة عشرة وكانت علاقته متوترة مع والدته بسبب علاقاتها الغرامية المتعددة والتي انتهت بهروبها مع عشيقها، فلم يراها بعدها مجدداً، وكان ذلك سبباً رئيسياً في بغضه للنساء فلم يتزوج حتى وافته المنية.
فدوى طوقان شاعرة فلسطين
فدوى طوقان لقبت بشاعرة فلسطين، وتركت تجربة حافلة مع العديد من الأعمال الشعرية، لكنها كانت تعاني من تجاهل والديها لها ومعاملتهما الجافة لها، كما وأنهم قاموا بإخراجها من المدرسة وهي في الصف الخامس الإبتدائي عندما لمحوا طفلاً يكبرها بعام يقوم بإهدائها وردةً بيضاء، فكان شعور المرارة ملازمًا لها حتى وفاتها، وتضاعف بعد وفاة شقيقها إبراهيم في ريعان شبابه، فقد كان يحنو عليها كثيرًا وعلمها اللغة العربية ونظم الشعر لأنه كان شاعرًا هاما، وهو من كتب نشيد “موطني”.
الشاعر أحمد فؤاد نجم
أحمد فؤاد نجم، الشاعر المصري الكبير الذي تحدث بلغة المواطن المصري البسيطة ووصل بتلقائيته إلى كل الدول العربية ودول أخرى في العالم.
عاش أحمد فؤاد نجم حياته في ظروف متواضعة للغاية، خاصة بعد وفاة والده وانتقاله للعيش في ملجأ للأيتام لمدة تسع سنوات، وقابل في الملجأ المطرب الراحل عبد الحليم حافظ، وخرج بعدها وتنقل بين عدد كبير من المهن المتواضعة وعلم نفسه القراءة والكتابة وعاش مسيرة طويلة حول فيها طفولته الصعبة إلى موهبة تفيض حباً لوطنه وشعبه.
مارجريت ميتشل صاحبة رواية ذهب مع الريح
الرواية الأمريكية مارجريت ميتشل، صاحبة الرواية الخالدة والفيلم الأشهر في تاريخ السينما الأمريكية “ذهب مع الريح”، والتي عاشت حياةً رتيبة وسط قصص أقاربها من الجنود الذين قاتلوا في الحرب الأهلية وبين كرهها للمدرسة بسبب مادة الرياضيات، فكانت والدتها ترغمها على الذهاب إلى المدرسة، وعندما أصبحت في الثامنة عشرة تمت خطوبتها إلى جندي توفي في الحرب العالمية الأولى، وتوفيت والدتها في العام الذي تلاه، وكانت إصابتها بمرض غير معروف دفعها لملازمة الفراش قرابة العشر سنوات دافعاً لها لكتابة روايتها الوحيدة خلال تلك الفترة الصعبة من حياتها.
جوزيف ستالين وهتلر
جوزيف ستالين وأدولف هتلر، ومن عالم الثقافة والفنون إلى السياسة نجد أن شخصية تاريخية مثيرة للجدل كـ جوزيف ستالين نشأت في نظام من العبودية، وكان والده سكيراً ويقوم بضربه وضرب والدته بإستمرار وتركه لهم دون معيل قبل الحادية عشرة من عمره مما جعل رابطةً عاطفية قوية تنشىء بينه وبين والدته، وهذه القصة تتشابه مع قصة أدولف هتلر بشكلٍ كبير وقد ذكرها في كتابه الشهير “كفاحي”، وفي كلا الحالتين كان لدى ستالين وهتلر حب للثقافة والأدب حتى أن هتلر كان يود أن يصبح رساماً وكان والد كل منهما يرغب في أن يعمل ابنه في نفس مهنته، وقد كانت هذه الحياة المضطربة مقدمة أو أساسا لكل الصراعات والحروب التي قاموا بها.
ويتضح هنا من خلال نظرةٍ بسيطة أن غياب العاطفة والأمان في حياة البشر على اختلاف ظروفهم وثقافتهم وتجاربهم يطبع أفكارهم وأحلامهم وانجازاتهم ويلازم أغلبهم حتى في ذروة النجاح والعطاء الذي كثيراً ما يأتي كتعويض عن ماضٍ حزين، وجرح يبدو ظاهريا وكأنه اندمل، لكنه ينزف بشدة من الداخل دون أن يلحظه أحد، فيما نستمر في إصدار الأحكام على الآخرين ونحن نجهل ما يمرون به.
بقلم| خالد جهاد الملخ