منارة الإسلام

التنمر في الإسلام وحكمه وكيف تناولته السنة النبوية الشريفة

الإسلام دين الأخلاق، جاء بها وأوصى بها، وأمرنا من الانتهاء عن كل فاحش بذئ، ولذلك نتناول، التنمر في الإسلام ثم حكم التنمر في الإسلام

خص لنا النبي “صلى الله عليه وسلم” رسالته في جملة واحدة. فقال: “إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق”، رواه أحمد والبخاري في الأدب المفرد.

إن امتثال الأخلاق هو امتثال لأمر الله، وأمر رسوله. فلقد وردت النصوص في كتاب الله بالتخلق بأخلاق نبي الإسلام. الذي امتدحه ربه بقوله “وإنك لعلى خلق عظيم”. فمن ذلك قوله تعالى “إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ”.

وقوله تعالى “خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ”. وقوله تعالى “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ”.

حكم التنمر في الإسلام

حول حكم التنمر في الإسلام فقد نهت آيات الكتاب العزيز عن الأخلاق المذمومة. ومن ذلك قوله تعالى “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَومٌ مِّن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ وَلا نِسَاء مِّن نِّسَاء عَسَى أَن يَكُنَّ خَيْرًا مِّنْهُنَّ وَلا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلا تَنَابَزُوا بِالأَلْقَابِ بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الإِيمَانِ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلا تَجَسَّسُوا وَلا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ”.

إن الامتثال بالأخلاق هو امتثال لأمر رسول الله “صلى الله عليه وسلم”. تقول عائشة “رضي الله عنها” عن خلق رسول الله “كان خلقه القرآن”.

كما أنا الأمتثال بالأخلاق الحسنة تحقق للمسلم السعادة في الدارين، الدنيا والأخرة. والبعد عن الأخلاق هو انحطاط وذل يعترى صاحبه في الدنيا والآخرة.

حذر الهادي الأمين “صل الله عليه وعلى آله وصحبة وسلم” من تدني الأخلاق. فيقول: “إن من أحبكم إلي وأقربكم مني مجلسا يوم القيامة أحاسنكم أخلاقا. وإن من أبغضكم إلي وأبعدكم مني مجلسا يوم القيامة، الثرثارون، المتشدقون، المتفيهقون”. 

ومن بين تلك الأخلاق السيئة التي انتشرت في المجتمع، وعاني منها القاصي والداني، الكبير والصغير. هو خلق حذر منه ربنا جل وعلا وعالجه نبينا “صلى الله عليه وسلم”. وهو ما يسمي بالتنمر أو السخرية أو الأستهزاء أو الأحتقار. وهي مسميات لمرض عضال ينبغي أن تتكاتف من أجله الجهود لإستئصال شأفته من المجتمع.

علاج التنمر

بعد تناول التنمر في الإسلام علينا أن نتطرق قليلًا إلى تعرف التنمر. فهو أحد الأخلاق السيئة، أو سوء خلق يصدر من شخص تجاه آخر للتقليل منه، أو احتقاره والاستهزاء به. كما يُعرف بأنه سلوك عدواني لإيذاء أو تخويف شخص وإجباره على فعل ما. 

نهى المولى عز وجل في كتابه العزيز، عن التنمر، في قوله تعالى “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ عَسَىٰ أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِّن نِّسَاءٍ عَسَىٰ أَن يَكُنَّ خَيْرًا مِّنْهُنَّ ۖ وَلَا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ ۖ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ ۚ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُون”.

وحول تفسير الآية الكريمة. أوضح العلماء أن الله تعالى نهى عن السخرية بالناس، واحتقارهم والاستهزاء بهم.

كما ثبت في الصحيح عن رسول الله “صلى الله عليه وسلم”. أنه قال: “الكِبْر بطر الحق وغَمْص الناس”، ويروى: وغمط الناس.

وجاءت آيات كثيرة تنهي عن التنمر واحتقار الآخرين. “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَومٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ”، وقوله “وَلا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ”.

وأوضحت الآية الكريمة أن الهماز اللماز مذموم وملعون “وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ”، فالهمز بالفعل واللمز بالقول، كما قال “هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ” وهو احتقار الأشخاص والمشي بينهم بالنميمة.

المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده، هكذا بينت السنة النبوية صفات المسلم، بل جعلت هذه الصفة لأهميتها تعريفا للمسلم.

يتصف المتنمر بالعدوانية ويعتقد أن القوي هو من يصرع غيره، ويبغي عليه، فجاء الإسلام ليغير هذه المعتقدات، يقول النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك “ليس الشديد بالصرعة”.

قديما قال الرجل لسيدنا موسى لما أراد أن يبطش به “إِنْ تُرِيدُ إِلَّا أَنْ تَكُونَ جَبَّارًا فِي الْأَرْضِ وَمَا تُرِيدُ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْمُصْلِحِينَ”، فالتنمر بالآخرين هو إفساد في الأرض، والمتنمر ليس من المصلحين، وليس هو القوي في مفهوم الإسلام.

التنمر على خلق الله 

هناك الكثير من قصص السلف الصالح المرتبطة حول حكم التنمر في الإسلام فكان تنمر على أحد الصحابة من دقة ساقية، وتأتى الإجابة من رسول الله ليرفع من صاحبها أمام المتنمرين به، بل ويعطي الأوسمة والنياشين، ويجبر بخاطر صاحبها.

عن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه قال: كنت أجتني لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سواكًا من الأراك. فكانت الريح تكْفؤُه، وكان في ساقه دقَّة، فضحك القومُ من دِقَّة سَاقي. فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: “ما يضحككم؟”. قالوا: من دقة ساقيه، قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: “والذي نفسي بيده، لهما أثقل في الميزان من أُحد”.

ومن قصص السلف ايضا، أن امرأة من جهينة من غامد من الأزد تسمى الغامدية جاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقالت يا رسول الله طهرني، فقال ويحك أرجعي فأستغفري الله وتوبي إليه.

ثم أعترفت بالزنا، وقالت يا رسول الله إني زنيت فطهرني، فقال لها إذهبي حتى تضعي ما في بطنك. فلما وضعت جاءت إلى رسول الله. فقال لها أذهبي وأرضعي طفلك حتى تفطميه.

فلما فطمت طفلها، أمر “صلى الله عليه وسلم” الناس فرجموها. وحينها أقبل خالد بن الوليد بحجر ورمى رأسها فنضخ الدم على وجه خالد فسبها. فسمعه الرسول، وقال له مهلا يا خالد فو الذي نفسي بيده لقد تابت توبة لو قسمت بين سبعين من أهل المدينة لوسعتهم.

هكذا حارب النبي “صلى الله عليه وسلم” التنمر والسخرية. ولذلك ينبغي علينا أن نقتفي أثر رسولنا ونتعلم كيف نحترم الآخرين، وكيف نتعامل مع الناس.

بقلم الشيخ| محمد القويسني
إمام وخطيب بالأوقاف

موضوعات متعلقة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *