قسوة الأهل على البنت انتهت بالإيدز.. بسمة تروي لـ”بوابة القاهرة” مأساتها
“بسمة”، رفضتها الحياة طفلة صغيرة لم تكمل عامها الثامن، بعد أن فقدت والدها في حادث سيارة، وذهب معه الحنان والإحتواء والقلب الضام لمحبيه، فبعد قرار والدتها بالزواج وتركها هي وأخيها عند جدتهما من أجل رعايتهما، توالت الأحزان من كثرة قسوة الأهل على البنت والتي جعلها تقرر الهروب من المنزل ليحتضنها الشارع. رأت “بسمة”، أن تشارك “بوابة القاهرة“، قصتها بكل ذرة ألم فيها، حتى يتعظ الأهل والأبناء، ويعلما أن الحياة ليست ضاحكة، ولكنها تحمل لنا العديد من المفاجأت الغير متوقعة.
قسوة الأهل على البنت
وعن حكاية بسمة فتقول: “أنا هبتدي من الآخر وهقول إني فعلًا معرفتش إني عايشة وليا عيلة بتخاف عليا وبتحتضني غير لما أصبت بالإيدز. لأننا كلنا مصيبتنا واحدة، وعارفين أننا أيام ومش هنبقى موجودين. ومفيش أي مطمع في حياتنا نحارب بعض عليه، غير أننا نحارب المرض نفسه“.
هكذا بدأت بسمة قصتها بصوت واثق، غير خائفة من مرضها. حيث أنها وجدت أن حياتها بالفعل بدأت منذ إصابتها بالمرض وعلمها به.
فحينها وجدت عائلتها التي فقدتها، ووجدت القلوب الحانية التي لم تجدها في طفولتها من أهلها وذويها. فالطفلة ذات الثماني سنوات. عاملها جدها بقسوة كونها بنت، حتى صار يضربها وينهرها لأي تصرف خاطئ تقوم به، مثلها مثل أي طفلة. حتى أنه كان معظم الأوقات يطردها من البيت. وتنتظر على السلم أمام الباب، حتى تحن عليها جدتها وتقنع الجد بأن يفتح لها الباب.
فتقول: “لما الأم بتتخلى عن أبنها أو بنتها محدش بيملأ مكانها. وطالما أمي رميتني، متهيألي مفيش أي إيد تقدر تمسح دمعتي. فمش هلوم على الناس لكن هلوم عليها. هي اللي فضلت حياتها عننا”.
هكذا وصفت بسمة حالتها مع والدتها، فإنها ترى أن السبب الأول وراء مأساتها هو عدم احتواء الأم لهؤلاء الصغار. وبالتالي دفعوا هم الثمن مقابل أن تحيا الأم.
الهروب من المنزل
وفي يوم غابر عندما أتمت بسمة 16 عامًا، وكعادة الجد بطردها، قررت الهروب من المنزل وتنزل إلى الشارع لعله أحن من هذا البؤس التي تعيش فيه. ولعل الجميع يشعر أن الصبر على المصائب لن يظل كل العمر. ففي بعض الأوقات يفيض الكيل، فالشارع في بعض الأحيان أو كما يخيل للبعض في تلك اللحظة أحن من الأهل.
هكذا رأت بسمة وسئمت من الطرد والذل. فكان قرار الهروب من المنزل هو ملجأها في تلك اللحظة التي غيرت مجرى أحداث قصتها وصارت فتاة مطاردة من المجتمع ومن نفسها.
فتقول بسمة: “متفكروش إن الشارع أحن علينا من أي ذل بنتعرضله. لأن أي ذل مع الأهل أهون بكتير من الشارع. لأن في الشارع مافيش أحضان، في الشارع بيطلعلك ضوافر وأنياب وبنكون حتة لحمة بيجري وراها أي كلب”.
وعن قسوة الأهل على البنت نصحت بسمة أي فتاة تحاول أن تجد ملاذها في الشارع. فتروي كيف طاردها الذئاب الراغبين في الشهوة. وكيف تعاملت مع تجار المخدرات وتجار الأطفال وتجار السبوبة. الذين وجدوا منها نفرا زائدا، عليها أن تعمل بلقمتها وفرشتها تحت أي كوبري أو بداخل أي خرابة.
وحينما قررت أن تعود للمنزل رفضها الجد بصورة بشعة. مؤكدًا أنه لا يستطيع استرداد ما لفظه الشارع. ولكنه نسى أن السبب في هذا هو طرده إياها منذ البدء.
فعادت بسمة مرة أخرى للشارع واستسلمت لمحاولات استغلالها جنسيا. ومحاولات استغلالها في بيع وترويج المخدرات التي كانت لها نصيب فيها. ومحاولات استغلالها للف في محطات المترو والأتوبيسات من أجل بيع مجموعة من التوك وأدوات المطبخ والماكياج.
واستمر حال “بسمة” في الشارع يرثى له لمدة أربع سنوات. غيرت كثيرًا من معالمها كفتاة، وصارت كخرقة مهملة على الطرقات.
كيف أصبت بمرض الإيدز
وفور علمها بإصابتها، جاء بالصدفة البحتة بعد أن قررت بيع كيس من دمائها لأن فئة دمها نادرة ويبحث عنها الجميع. وهناك سماسرة لبيع الدم يعملون لبعض المستشفيات الخاصة ويبحثون عن الفئة المناسبة التي يدفعون عنها 100جنيها لكيس الدم من فئة (O).
وحينها بعد إجراء التحاليل علمت من السمسار الذي رفض إعطائها ثمن الكيس أنها مصابة بفيروس نقص المناعة الإيدز، وطلب منها الذهاب لمستشفى الحميات حتى لا تكون سببًا في عدوة الأخرين.
ولكنها لم تكن تعلم أن المرض دق بابها ليخلصها من مأساتها بعد أن تعامل معها الشارع الذي علم بالخبر كالنار في الهشيم وتعاملوا معها كشخص منبوذ. ولكن المرض رحمها من تجارة الجنس عنوة. ورحمها من المخدرات الذي واجهت في تلك الفترة أصعب فترات حياتها. فلم تجد ما يسد حاجتها بعد انقطاع المورد.
تقول: “بحمد ربنا إنه جالي المرض ده عشان أترحم من حياة الشارع. وعرفت ناس تانيين مكنش ممكن أعرفهم ولا أتعامل معاهم ولا يقبلوني وسطهم من غير ماكون مصابة بنفس مرضهم. وعشان كده بقول إن مش كل مرض وباء لأنه ساعات بيكون خلاص”.
متعايش مع الإيدز
هكذا تعاملت بسمة وتعايشت مع مرضها. بعد أن دلها إحدى السماسرة على شقة بها خمس أفراد جميعهم مصاب بنفس المرض ويحاولون التعايش معه. مؤازرين بعضهم البعض يخافون على بعضهم البعض في تلك المحنة التي تنهي حياة واحد منهم في أي وقت. والآخرين ينتظرون نفس المصير. فعندها غابت أطماع الحياة والحساب على الهفوات.
فتقول بسمة: “في 3 من اللي معايا في الشقة ولاد ناس ومعاهم فلوس وأهلهم بيصرفوا عليهم وأحيانا بيجوا يزورونا وبيراعوا اننا كلنا مستنين موتنا. بس المهم أننا نحاول منإذيش غيرنا. وفي اتنين بيشتغلوا وليهم حياة ومتجوزين ومخلفين. ولما أصابهم المرض بعدوا عن عيلتهم عشان ميإذهومش وبيصروا عليهم برضه ومكرسين حياتهم يأمنوا ليهم حاجة قبل مايموتوا. والاحساس معاهم اننا نقدر الوقت اللي عايشينه ونعيشه فعلا لأن اليوم اللي بيعدي مابيرجعش“.
حينما علمت موعد موتها استطاعت أن تحيا وتجد الأهل الذين فقدتهم من صغرها. وحينما يدق الموت الأبواب ونعلم أنه قريب يغيب أي مطمع في الحياة ويغيب الصراع وتظهر النفس البشرية بضعفها وقلة حيلتها.
فاختتمت بسمة حكايتها لـ”بوابة القاهرة” فتقول: “لقيت معاهم العيلة اللي اتحرمت منها. ومفيش طمع ومكايد ورغبة في الحياة. لدرجة اننا ندوس على أقرب الناس لينا ونبيعهم. وفعلا كلنا لقينا نفسنا مع بعض. وبقينا عيلة. وكفاية اننا هنموت وحد يحزن علينا وحد جنبنا، احنا أفضل من ناس كتير“.
كتبه| داليا فكري