حرب أكتوبر.. أعظم الحروب في العصر الحديث سجلها التاريخ في أبدع صفحاته
حطم الجندي المصري في السادس من أكتوبر 1973، أسطورة الجيش الذي لا يقهر، وعبر خط بارليف المنيع واسترد أرض سيناء فكانت حرب أكتوبر أعظم الحروب في العصر الحديث سجلها التاريخ في أبدع صفحاته ودرستها الكليات العسكرية في أنحاء العالم.
هزمت حرب أكتوبر الكثير من العقائد والنظريات لدى العسكريين وخبراء الإستراتيجية القومية في العالم، كما دفعت الخبراء والمتخصصين في العالم إلى اعادة حساباتهم على الأسس التي رسختها حرب أكتوبر، سواء فيما يتعلق بفن القتال واستخدام السلاح، أو فيما يختص بتكنولوجيا التسليح وتصميم الأسلحة والمعدات.
على المستوى الإستراتيجي، استطاعت حرب أكتوبر 1973 أن تحطم نظرية الأمن الإسرائيلي وأن تهدر نظرية الحرب الوقائية.
أما على المستوى التعبوي التكتيكي، تغلبت قواتنا المسلحة على أعقد مانع مائي ودمرت أقوى الدفاعات والتحصينات، ودارت معارك عنيفة اشتركت فيها قوات بحجم ونوع لم يسبق حدوثه في المنطقة، كما نجحت في خداع أحدث وسائل المخابرات، لذلك حفرت هذه الحرب مكانة بارزة في ذاكرة التاريخ العسكري.
ما أورخ عن حرب أكتوبر العزة والكرامة
قالت صحيفة الديلي تلجراف البريطانية بتاريخ 7/10/1973: ” لقد غيرت حرب أكتوبر – عندما اقتحم الجيش المصري قناة السويس واجتاح خط بارليف – غيرت مجري التاريخ بالنسبة لمصر وبالنسبة للشرق الأوسط بأسره”.
وقالت صحيفة التايمز البريطانية: “كانت الصورة التي قدمتها الصحافة العالمية للمقاتل العربي عقب حرب 67 هي صورة مليئة بالسلبيات وتعطي الانطباع باستحالة المواجهة العسكرية الناجحة من جانب العرب لقوة إسرائيل العسكرية وعلى ذلك يمكن أن نفهم مدي التغيير الذي حدث عقب أن أثبت المقاتل العربي وجوده وقدراته وكيف نقلت الصحافة العالمية هذا التغيير على الرأي العام العالمي”.
وقالت صحيفة واشنطن بوست الأمريكية بتاريخ 7/10/1973: “إن المصريين والسوريين يبدون كفاءة عالية وتنظيماً وشجاعة، لقد حقق العرب نصراً نفيساً ستكون له آثاره النفسية، إن احتفاظ المصريين بالضفة الشرقية للقناة يعد نصراً ضخماً لا مثيل له تحطمت معه أوهام الإسرائيليين بأن العرب لا يصلحون للحرب”.
كما قالت صحيفة الفينانشيال تايمز، البريطانية بتاريخ 11/10/1973: ” إن الاسبوع الماضي كان أسبوع تأديب وتعذيب لإسرائيل، ومن الواضح أن الجيوش العربية تقاتل بقوة وشجاعة وعزم، كما أن الإسرائيليين تملكهم الحزن والاكتئاب عندما وجدوا أن الحرب كلفتهم خسائر باهظة وأن المصريين والسوريين ليس كما قيل لهم غير قادرين على القتال”.
وقالت صحيفة التايمز البريطانية بتاريخ 11/10/1973: “واضح أن العرب يقاتلون ببسالة ليس لها مثيل، ومن المؤكد أن عنف قتالهم له دور كبير في انتصاراتهم، وفي نفس الوقت ينتاب الإسرائيليين إحساس عام بالاكتئاب لدى اكتشافهم الأليم الذي كلفهم كثيراً أن المصريين والسوريين ليسوا في الحقيقة جنوداً لا حول لهم ولا قوة وتشير الدلائل إلى أن الإسرائيليين كانوا يتقهقرون على طول الخط أمام القوات المصرية والسورية المتقدمة”.
وقالت أيضًا صحيفة ديلي صن البريطانية بتاريخ 12/10/1973: “لقد اتضح أن القوات الإسرائيلية ليست مكونة – كما كانوا يحسبون من رجال لا يقهرون، إن الثقة الإسرائيلية بعد عام 1967 قد بلغت حد الغطرسة الكريهة التي لا تميل إلى الحلول الوسط وأن هذه الغطرسة قد تبخرت في حرب أكتوبر، وأن ذلك يتضح من التصريحات التي أدلي بها المسئولون الإسرائيليون بما فيهم موشي ديان نفسه”.
صحيفة ديلي ميل البريطانية بتاريخ 12/10/1973 عن حرب أكتوبر 73
لقد محت هذه الحرب شعور الهوان عند العرب وجرحت كبرياء إسرائيل”.
وقالت صحيفة لومانتيه الفرنسية بتاريخ 17/10/1973
“إن حرب أكتوبر قد أطاحت بنظرية الحدود الآمنة كما يفهمها حكام تل أبيب، فقد أثبتت أن أمن إسرائيل لا يمكن أن يكفل بالدبابات والصواريخ، وإنما بتسوية سلمية عادلة توافق عليها الدول العربية”.
وقالت صحيفة نسايتونج الألمانية بتاريخ 19/10/1973: “إن الكفاح الذي يخوضه العرب ضد إسرائيل كفاح عادل والعرب يقاتلون دفاعاً عن حقوقهم، وإذا حارب المرء دفاعاً عن أرضه ضد معتد فإنه يخوض حرباً تحريرية، أما الحرب من أجل الاستمرار في احتلال ارض الغير فإنها عدوان سافر”.
وقالت صحيفة أنا بيللا الايطالية بتاريخ 30/10/1973:” لقد فر الجنود الإسرائيليون من خط بارليف وهم يلتقطون أنفاسهم وقد علت القذارة أبدانهم وشحبت وجوهم، فرت فلولهم من الجحيم الذي فتحه عليهم الهجوم المصري الكاسح”.
قالت صحيفة التايمز البريطانية بتاريخ 31/10 /1973: “كانت (الفردان) شرق قناة السويس من أول المواقع التي استولت عليها القوات المصرية، وعندها حقق المصريون أعظم انتصاراتهم واستعادوا أراضيهم منذ اليوم الأول، وكست وجوهم أمارات الزهو والانتصار على خط بارليف الذي انهار أمهامهم، وهكذا ذهب خط بارليف الإسرائيلي على غير رجعة “.
وقالت صحيفة علهمشمار الاسرائيلية بتاريخ 29/10/1973: “لقد سادت البلاد قبل حرب أكتوبر مشاعر خاطئة هي شعور صقورنا بالتفوق العسكري الساحق لدرجة أن هذا الاعتقاد قادهم إلى طمأنينة عسكرية على طريقة سنقطعهم إرباً إذا تجرأوا على رفع إصبع في وجهنا”.
وقالت صحيفة هاآرتس الاسرائيلية بتاريخ 2/11/1973: “لقد أوجدت حرب أكتوبر مفهوماً يبدو إننا لم نعرفه من قبل (منهكي الحرب) ونعني به أولئك الذين عانوا من الصدمات النفسية والمنتشرين الآن في المستشفيات ودور النقاهة يعالجون من أجل تخليصهم من الآثار التي خلفتها الحرب الضارية، لقد عرف الجنود الإسرائيليون خلال تلك الحرب ولأول مرة في حياتهم تجربة الحصار والعزلة أثناء القتال وعار الأسر والخوف من نفاذ الذخيرة”.
كما قالت صحيفة هاآرتس الاسرائيلية بتاريخ 8/11/1973: “إننا – حتي يوم وقف إطلاق النار على جبهة سيناء – لم نكن قد استطعنا إلحاق الضرر بالجيش المصري وأنه من المؤكد أنه حتى بدون التوصل إلى وقف القتال لم نكن سننجح في وقف أو تدمير الجيش المصري وبهذا يمكن القول أننا خلال حربنا الرابعة مع العرب لم نحقق شيئا”.
وقالت صحيفة معاريف الاسرائيلية بتاريخ 20/9/1998: “إن صفارة الإنذار التي دوت في الساعة الثانية إلا عشر دقائق ظهر السادس من أكتوبر 1973 كانت تمثل في معناها أكثر من مجرد إنذار لمواطني إسرائيل بالنزول إلى المخابئ حيث كانت بمثابة الصيحة التي تتردد عندما يتم دفن الميت وكان الميت حينذاك هو الجمهورية الإسرائيلية الأولى، وعندما انتهت الحرب بدأ العد من جديد وبدأ تاريخ جديد فبعد ربع قرن من قيام دولة إسرائيل بأتت أعمدة ودعائم إسرائيل القديمة حطاماً ملقي على جانب الطريق”.
وقالت مجلة بماحنيه الإسرائيلية بتاريخ 20/9/1998: “إن هذه الحرب تمثل جرحاً غائرًا في لحم إسرائيل القومي”، وقالت ايضا بتاريخ 24/9/1998: “إن حرب يوم الغفران بمثابة نقطة انكسار للمجتمع الإسرائيلي في مجالات عديدة.”
وقال ديفيد بن جوريون – مجلة بماحنيه الاسرائيلية بتاريخ 24/9/1998: “.. إن حرب أكتوبر قد قوضت الثقة بالنفس لدى نخبة الأمن الإسرائيلية وتسببت بقدر معين في هدم افتراضات أمنية قامت عليها الإستراتيجية الإسرائيلية لفترة طويلة ومن ثم تغيرت بعض العناصر الرئيسية في نظرية الأمن القومي التي تبلورت في العقد الأول من قيام الدولة على أيدي”.
كتب تناولت حرب أكتوبر
ورد في كتاب للصحفي البريطاني دافيد هيرست بعنوان “البندقية وغصن الزيتون”، “إن حرب أكتوبر كانت بمثابة زلزال فلأول مرة في تاريخ الصهيونية حاول العرب ونجحوا في فرض أمر واقع بقوة السلاح ولم تكن النكسة مجرد نكسة عسكرية بل أنها أصابت جميع العناصر السيكولوجية والدبلوماسية والاقتصادية التي تتكون منها قوة وحيوية أي أمة وقد دفع الإسرائيليون ثمنا غاليا لمجرد محافظتهم على حالة التعادل بينهم وبين مهاجميهم وفقدوا في ظرف ثلاثة أسابيع وفقا للأرقام الرسمية 2523 رجلا وهي خسارة تبلغ من حيث النسبة ما خسرته أمريكا خلال عشر سنوات في حرب فيتنام مرتين ونصف”.
كتاب “الأيام المؤلمة في إسرائيل” للكاتب الفرنسي جان كلود جيبوه
في الساعة العاشرة والدقيقة السادسة من صباح اليوم الأول من ديسمبر أسلم ديفيد بن جوريون الروح في مستشفى تيد هاشومير بالقرب من تل ابيب ولم يقل ديفيد بن جوريون شيئا قبل أن يموت غير أنه رأى كل شئ لقد كان في وسع القدر أن يعفي هذا المريض الذي أصيب بنزيف في المخ يوم 18 نوفمبر 1973 من تلك الأسابيع الثمانية الأخيرة من عمره.
ولكن كان القدر قاسيا ذلك ان صحوة الرئيس لمجلس الوزراء الاسرائيلي في ايامه الاخيرة هي التي جعلته يشهد انهيار عالم بأكمله وهذا العالم كان عالمه لقد رأى وهو في قلب مستعمرته بالنقب إسرائيل وهي تنسحق في أيام قلائل نتيجة لزلزال أكثر وحشية مما هو حرب رابعة ثم راح يتابع سقوط إسرائيل الحاد وهي تهوي هذه المرة من علوها الشامخ الذي اطمأنت إليه حتي قاع من الضياع لا قرار له فهل كان الرئيس المصري أنور السادات يتصور وهو يطلق في الساعة الثانية من السادس من أكتوبر دباباته وجنوده لعبور قناة السويس أنه إنما أطلق قوة عاتية رهيبة كان من شأنها تغيير هذا العالم.
إن كل شئ من أوروبا إلى أمريكا ومن أفريقيا إلى اسيا لم يبق على حاله التي كان عليها منذ حرب يوم عيد الغفران.
كتاب “زلزال أكتوبر حرب يوم عيد الغفران” لـ “زئيف شيف” معلق عسكري إسرائيلي
هذه هى أول حرب للجيش الإسرائيلي التي يعالج فيها الأطباء جنودًا كثيرين مصابين بصدمة القتال ويحتاجون إلى علاج نفسي هناك من نسوا اسماءهم وهؤلاء كان يجب تحويلهم إلى المستشفيات، لقد أذهل إسرائيل نجاح العرب في المفاجأة في حرب يوم عيد الغفران وفي تحقيق نجاحات عسكرية.
لقد اثبتت هذه الحرب أن على إسرائيل أن تعيد تقدير المحارب العربي فقد دفعت إسرائيل هذه المرة ثمنا باهظا جدًا لقد هزت حرب أكتوبر إسرائيل من القاعدة إلى القمة وبدلًا من الثقة الزائدة جاءت الشكوك وطفت على السطح أسئلة هل نعيش على دمارنا إلى الأبد، هل هناك احتمال للصمود في حروب أخرى.
كتاب “إسرائيل انتهاء الخرافة” لـ”أمنون كابيليوك” معلق عسكري إسرائيلي
تقول الحكومة البريطانية كلما كان الصعود عاليا كان السقوط قاسيا .. وفي السادس من أكتوبر سقطت إسرائيل من أعلى برج السكينة والاطمئنان الذي كانت قد شيدته لنفسها، وكانت الصدمة على مستوي الأوهام التي سبقتها قوية ومثيرة وكأن الإسرائيليين قد افاقوا من حلم طويل جميل لكي يروا قائمة طويلة من الأمور المسلم بها والمبادئ والأوهام والحقائق غير المتنازع عليها التي آمنوا بها لسنوات عديدة.
وقد اهتزت بل وتحطمت في بعض الأحيان أمام حقيقة جديدة غير متوقعة وغير مفهومة بالنسبة لغالبية الإسرائيليين، ومن وجهة نظر الرجل الإسرائيلي العادي يمكن أن تحمل حرب أكتوبر أكثر من اسم مثل حرب الإفاقة من نشوة الخمر أو انهيار الأساطير أو نهاية الأوهام أو موت الأبقار المقدسة.
عقب الحروب السابقة كانت تقام عروض عسكرية فخمة في يوم الاستقلال تشاهد فيها الجماهير غنائم الحرب التي تم الاستيلاء عليها من العدو، أما في هذه المرة على العكس اقيم معرض كبير في القاهرة بعد مرور شهرين على الحرب وفيه شاهدت الجماهير الدبابات والمدافع والعربات العسكرية وكثيرًا من الاسلحة الإسرائيلية التي تم الاستيلاء عليها من العدو خلال الحرب.
وفي المرات السابقة كان الجنود يعودون إلى ديارهم بعد تسريحهم وكانوا يذوبون في موجة السعادة والفخر، أما هذه المرة فقد عادوا وقد استبد بهم الحزن والفزع واحتاج الكثيرون منهم إلى التردد على قسم العلاج النفسي في الإدارة الطبية التابعة للجيش نظراً لاصابتهم بصدمة قتال.
كتاب “إلى أين تمضي إسرائيل” يقول ناحوم جولدمان، رئيس الوكالة اليهودية الأسبق
إن من أهم نتائج حرب أكتوبر 1973 إنها وضعت حدًا لأسطورة إسرائيل في مواجهة العرب، كما كلفت هذه الحرب إسرائيل ثمنا باهظًا حوالي خمسة مليارات دولار.
وأحدثت تغيرًا جذريًا في الوضع الاقتصادي في الدولة الإسرائيلية التي انتقلت من حالة الازدهار التي كانت تعيشها قبل عام رغم أن هذه الحالة لم تكن ترتكز على أسس صلبة كما ظهر إلى أزمة بالغة العمق كانت أكثر حدة وخطورة من كل الأزمات السابقة غير أن النتائج الأكثر خطورة كانت تلك التي حدثت على الصعيد النفسي.
لقد انتهت ثقة الإسرائيليين في تفوقهم الدائم كما اعترى جبهتهم المعنوية الداخلية ضعف هائل وهذا أخطر شي يمكن أن تواجهه الشعوب وبصفه خاصة إسرائيل، وقد تجسد هذا الضعف في صورتين متناقضتين أدت إلى استقطاب إسرائيل على نحو بالغ الخطورة فمن ناحية كان هناك من بدأوا يشكون في مستقبل إسرائيل ومن ناحية أخرى لوحظ تعصب وتشدد متزايد يؤدي ىلي ما يطلق عليه اسم عقدة الماسادا – القلعة التي تحصن فيها اليهود اثناء حركة التمرد اليهودية ضد الإمبراطورية الرومانية ولم يستسلموا وماتوا جميعا.
كتاب “التقصير”
الفه سبعة من كبار الصحفيين الإسرائيليين وهم: يشعياهو بن فورات، يهونتان غيفن، أوري دان، ايتان هيفر، حيزي كرمل، ايلي لندوا، ايلي تايور
وصف مؤلفو الكتاب تلك الحرب التي لم يتوقعها أحد وما هي أسباب التقصير الإسرائيلي؟ وكيف تفوقت المخابرات المصرية؟ وكيف سقط خط بارليف؟ وكيف اجاد المصريون تكتم الحرب؟ وكيف أفسد انتصار عام 1967 الجيش الإسرائيلي وسقوط الأعلام الإسرائيلي؟ يقول الكتاب:
“لقد قاتل المصريون بصورة انتحارية خرجوا نحونا من مسافة أمتار قليلة وسددوا مدافعهم الخفيفة المضادة للدبابات على دباباتنا ولم يخشوا شيئا كانوا يتدحرجون بعد كل قذيفة بين العجلات فعلا ويستترون تحت شجيرة على جانب الطريق ويعمرون مدافعهم بطلقات جديدة، وعلى الرغم من إصابة عدد كبير من جنود الكوماندز المصريين إلا أن زملائهم لم يهربوا بل استمروا في خوض معركة تعطيلية معركة انتحارية ضد الدبابات كما لو أنهم صمموا على دفع حياتهم ثمنا لمنع الدبابات من المرور، واضطر جنود المدرعات إلى خوض معركة معهم وهم يطلقون النار من رشاشاتهم من فوق الدبابات وحقيقة لم يحدث لنا من قبل في أي الحروب التي نشبت مع المصريين مواجهة جنود على هذا النسق من البسالة والصمود”.
بقلم| أحمد سلامة